للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجد جمال الدين بمصر طائفة من المستنيرين قل أن وجدت حينذاك في أمة عربية إسلامية، ووجد الثقافة فيها خطت خطوات واسعة، واتصلت اتصالًا قويًا بالتيار الغربي، فتشجع هؤلاء الشبباب الذين أعجبوا به وبآرائه -لأنها وجدت صدى قويًا في نفوسهم- على إنشاء الصحف وعلى الكتابة، والتعبير عن آرائهم لتكوين رأي عام حتى يمكن الإصلاح، وكان -على الرغم من أنه لم يكن عربي القلم واللسان بالنشأة- يكتب في هذه الصحف بإمضاء مستعار هو "مظهر بن وضاح"، وكان من أثر دعوته هذه أن أنشأ أديب إسحق جريدتيه مصر والتجارة، وأنشأ يعقوب بن صنوع جريدته "أبا نضارة"، وتدخل في تحرير الوقائع حين ولى أمرها الشيخ محمد عبده، فطلب إلى الكتاب أن يخوضوا في موضوعات معينة تمس الحياة الأمة في صميمها.

وثاني مظاهر هذا التطور تكوين جيل من الكتاب، متمكن من اللغة قدير على الإسهاب، وشرح المعضلات السياسية والاجتماعية، عن دراية ومعرفة وعاطفة جياشة، من غير لجوء إلى المحسنات والزخارف، خبير بتفتيق المعاني وتوليد الأفكار، ولنستمع إلى الشيخ محمد عبده يشيد بأستاذه جمال الدين، وكيف كان أثره في تطور الأسلوب النثري أداء ومعنى:

"كان أرباب العلم في الديار المصرية القادرون على الإجادة في المواضيع المختلفة، منحصرين في غدد قليل، وما كنا نعرف منهم إلا عبد الله "باشا" فكري وخيري "باشا"، ومحمد "باشا" سيد أحمد على ضعف فيه، ومصطفى "باشا"، وهي على تخصص فيه، ومن عدا هؤلاء فإما ساجعون في المراسلات الخاصة، وإما مصنفون في بعض الفنون العربية أو الفقهية وما شاكلها.

ومنذ عشر سنوات نرى كتبة في القطر المصري لا يشق غبارهم، ولا يوطأ مضمارهم، وأغلبهم أحداث في السن، شيوخ في الصنعة وما منهم إلا أخذ عنه، أو عن أحد تلاميذه أو قلد المتصلين به".

ويقول عن اقتداره على تفتيق المعاني، وخوضه في كل مشك لة تطرح أمامه خوض الخبير العالم: "كانت له سلطة على دقائق المعاني وتحديدها، وإبرازها في

<<  <   >  >>