وكان كتابا المحبر والمعارف عندي هما أغنى هذه الكتب بالمواد. وكان أوّلهما حديث عهد بالطبع، وكان ثانيهما قد مضى على إخراجه ما يربى على قرن. وكان أن توفّرت لدى منه نسخ خطية أخرى فاتت الزميل الكريم الراحل «وستنفلد» الّذي عنّي نفسه بإخراجه. وكانت هذه النسخ تستدرك كثيرا، وتشير إلى خلاف كثير.
من أجل هذا كله خصصت هذا الكتاب- أعنى كتاب «المعارف» - بجهدي، وفرغت أجمع له أصوله الخطية ما وسعني الجهد، لأخرجه في صورة جلية واضحة.
(٢) وفي ظل ذلك الإحساس العام الّذي أشرت إليه اتجه «ابن قتيبة» لتأليف هذا الكتاب يريد أن يجمع للناس تلك المعارف المختلفة التي يعنيهم أن يعرفوها، ويعنيهم أن يجدوها مجموعة في كتاب واحد.
وما نأخذ على «ابن قتيبة» أنه جمع شيئا وأهمل شيئا، بل علينا أن نناقشه ناظرين إلى حاجة العصر الّذي كان يعيش فيه.
فحاجة العصر الّذي كان يعيش فيه «ابن قتيبة» كانت تملى عليه أن يكون بين الناس مثل هذا الكتاب الجامع، الّذي يمكّن الكاتب من أن تتوفر له حصيلة علمية تاريخية أدبية، مجموعة مبوّبة.
وإن الشعور الّذي أملى على «ابن قتيبة» أن يؤلف كتابه «أدب الكاتب» ليبصّر الكاتب بما هو في حاجة إليه وما يجب عليه، هو الشعور الّذي أملى على «ابن قتيبة» أن يؤلف كتابه «المعارف» ليجمع بين يدي الكاتب ما يحتاجه من معرفة، بعد ما جمع له ما يحتاج إليه من تقويم اللسان، وبعد أن بصّره بشئون الكتابة.