وما إن نزل المنصور «بغداد» بعد أن ابتناها منتقلا عن «الهاشمية» إليها، حتى نقل إليها خزائنه ودواوينه، وفرغ لنشر العلوم، واستدعى إليه المترجمين.
فقدم عليه عام ست وخمسين ومائة رجل من الهند، عالم بحساب النجوم، بكتاب مؤلف في ذلك، فيأمر «المنصور» بترجمته إلى العربية.
ومن قبل ذلك ترجم ابن المقفع (١٠٦ هـ- ١٤٢ هـ) له كتب أرسطاطاليس في المنطق، وكتاب كليلة ودمنة «١» .
وقرّب إليه علماء الفقه والحديث، وحسبه أنّ عهده أظلّ منهم أمثال أبى حنيفة النعمان بن ثابت (٨٠ هـ- ١٥٠ هـ) صاحب التآليف النافعة «٢» .
هذا إلى ما عرف عن «المنصور» من أنه كانت له مدوّنات علمية، وكان شديد الولع بها والحرص عليها، ويقال أنه أوصى بها ابنه «المهدي» عند وفاته «٣» .
ثم لقد كان «المنصور» من أحسن رواة الحديث، وله ذوق في الشعر، يقوى به على نقد الشعراء، ومعرفة جيد القول من رديئه، والمنحول والمسروق «٤» ويروى أبو الفرج الأصبهاني أن المنصور لما مات ابنه جعفر، وانصرف إلى قصره بعد دفنه، قال للربيع وزيره: انظر من في أهلي ينشدنى: