لقد رأيت كيف حفلت هذه الفترة الصغيرة، التي لا تزيد عن قرن إلا بقليل، بتلك الكثرة من العلماء على مختلف ألوانهم.
يعزو الدارسون ذلك إلى أن من ولى خلافة «بغداد» في تلك الفترة كانوا من الخلفاء العلماء، فرغبوا في العلم وأحسنوا وفادة أهله وشجعوهم عليه، فانتعشت بغداد بمن فيها وبمن وفد إليها، وأصبحت ميدانا لحركة علمية فكرية واسعة.
ويكتب لهذه الحركة: أن تبلغ أوجها على يدي المأمون، ويكون المأمون نفسه على رأس تلك الحركة عالما يشارك العلماء الرأى، ويأخذ معهم في الحديث.
ويسود العصر لون من التسامح الفكرى يشجع العلماء والمفكرون في ظله على القول، فكان لذلك أثره الكبير في ظهور الفرق الكلامية، واحتدام الجدل بينها.
ولقد كان أكثر الخلفاء تسامحا المأمون «١» . فظهر في هذا العصر نفر من جلة العلماء ورءوس المتكلمين أوغلوا في البحث معتمدين على العقل، مخالفين بما يقولون ما عليه علماء المسلمين.
ونشأ هذا الخلاف أوّل ما نشأ في البصرة، ثم عداها إلى بغداد، حمل لواءه واصل بن عطاء، ثم عمرو بن عبيد- الّذي قرّبه المنصور إليه- ثم أبو الهذيل العلاف، والنظام، والمريسي بشر بن غياث، والجاحظ، وثمامة بن أشرس، من شيوخ الاعتزال.