وهكذا يكشف عما قصد إليه «ابن قتيبة» ، فلقد قصد إلى أن يسوق رءوس الموضوعات ولا يعنيه التفصيل.
ولئن صح هذا فلا تثريب على «ابن قتيبة» في اختصاره، ولا تثريب عليه في أنه لم يطل.
(٤) لقد كان «ابن قتيبة» - شأنه شأن الرواة والمؤلفين القدامى- ينقل ما ينقل راويا عن الرواة.
وكان هذا نهجه في سائر الكتاب غير بابه الأوّل «مبتدأ الخلق» .
(١) فهو في هذا الباب الأوّل اعتمد على الإسرائيليات كثيرا، يصرح بنقله عن التوراة حينا ولا ينقل عنها بنصها، ويصرح بنقله عن «وهب بن منبه» حينا آخر.
(٢) وما عاصر «ابن قتيبة»«وهب بن منبه» ولا أخذ عنه. ف «وهب» كانت وفاته سنة ١١٠ هجرية، أي قبل ميلاد «ابن قتيبة» بنحو من قرن تقريبا.
(٣) ولقد نقل غير «ابن قتيبة» عن «وهب» كالطبرى بمثل هذا السند المنقطع، كثيرا من الأخبار التي نقلها «ابن قتيبة» من هذه الإسرائيليات، فإلى «وهب» يعزى الكثير منها، كما عزى إلى «كعب الأحبار» .
(٤) وكما لم يعن المؤرّخون القدامى بتحليل هذه الإسرائيليات، وإنما اكتفوا بروايتها، فحسب، كذلك فعل «ابن قتيبة» هو الآخر، وكان في استطاعتهم أن يجرّدوا هذه الإسرائيليات مما ينافي العقل ويأباه المنطق. ولقد كان بين يدي المؤرّخين المسلمين- ومنهم «ابن قتيبة» - القرآن الكريم يريحهم من كثير مما أوردوا، لو التزموا ما أورد القرآن من سيرة الأنبياء، ولم يكلفوا أنفسهم العناء في رواية غيره.