للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك منهج رأيته ألزم للمحقق أن يأخذ به نفسه فيقدم النص خالصا بمقابلاته ومخالفاته ويجعل الشروح والتعقيبات في إثر ذلك مستقلة كما فعلت، ولقد رأيت المستشرقين يكتفون بإثبات المقابلات ولا يضيفون إليها شروحا وتعقيبات. ورأيت المنهج الشائع في الشرق المزج بين العملين، أي بين إثبات المقابلات وبين الشروح والتعليقات دون فصل بينهما.

وما من شك في أن الأمرين مطلوبان، فنحن بإثبات المقابلات ملزمون، ثم نحن- أصحاب هذا التراث- نحس بعد هذا حاجة القارئ إلى تيسير وتوجيه وتبيين، من أجل ذلك جاوزنا الشق الّذي التزمه المستشرقون وأضفنا إليه تلك الزيادات الشارحة، ولكن ذلك يجب أن يكون على تلك الحال التي التزمتها من فصل بين الأمرين، حتى نجعل النص خالصا كما قلت والشروح بمعزل عن ذلك.

وكنت في مقدمتي التي قدمت بها للكتاب في طبعته الأولى مسبوقا بمقدمات جاءت حول كتب لابن قتيبة طبعت طبعات محققة- مثل عيون الأخبار، ومشكل القرآن، والميسر والقداح- تضمنت تراجم لابن قتيبة. وأشق ما يحسه الآخذ في الترجمة لمؤلف كتاب أن يجد نفسه مسبوقا إلى ذلك بتراجم لمعاصرين نهضوا بمثل ما ينهض به لهذا المؤلف في كتب أخرى له، إذ عليه عند ذلك أن يمعن في البحث ويستقصى بعد ما استقصوا، وفرق بين أن تواجه العمل لم يسبقك إليه غيرك فتجد السبل كلها في يديك وتجد نفسك بين يدي مادة لم تمتد إليها يد فتشكل فيها حيث تشاء، وبين أن تواجه عملا قد سبقك إليه غيرك فتجد مادته قد استنفدت استقراء، وتجد أن عليك أن تنقب وتمعن في التنقيب لعل ثمة شيئا فات من سبقوك، كما تجد أن عليك أن تنظر في أعمالهم نظرة شاملة فاحصة لعل ثمة أمرا لا يستقيم لرأيك.

وهكذا كان لزاما عليّ، وأنا أترجم لابن قتيبة، أن أحمل هذا العبء في الاستقصاء، وأظننى قد وفيت الأمر حقه، وقدمت مقدمة فيها هذا الشمول الّذي أردته، وفيها هذا الاستقصاء الّذي وفقت إليه، وفيها هذا التعقب لمن سبقوني.

ولقد كان من أهم ما عرضت له في مقدمتي وأفضت فيه، ذاك الّذي أثير قديما- ولا يزال يثار- حول ما بين هذا الكتاب «المعارف» ، وبين كتاب «المحبر» لابن

<<  <  ج: ص:  >  >>