ولكنا لا ندري: لم فات المؤرخين أن يأخذوا ذلك عن لسان «أبى محمد» حين فاتهم أن يأخذوه عن لسان غيره، ولقد كان بينهم ملء العين والسمع.
والمؤرخون حين لا يذكرون الشهر الّذي ولد فيه، ويسكتون عنه، يختلفون على أنفسهم حين يذكرون البلد الّذي ولد فيه.
فيذهب ابن النديم، وابن الأثير، وابن الأنباري: إلى أنه ولد في الكوفة.
لا ندري هل تابع ابن الأنباري (٥٧٧ هـ) ابن النديم (٣٢٨ هـ) فيها، حين سبقه بها، ثم قفّى على أثرهما ابن الأثير (٦٠٦ هـ) ، أو انفرد كل بطريقة؟.
وهناك غير هؤلاء من المؤرخين الذين ذكرناهم من يذكرون أن مولده كان ببغداد، وأسبقهم بهذه الرواية البغدادي (٤٦٢ هـ) ثم السمعاني (٥٦٢ هـ) ، ومن بعدهما القفطي (٦٠٦ هـ) لا يناقشون رواية غيرهم ممن سبقوهم، بل لا تحس أنهم كانوا على علم بها، وأنهم كان لهم طريقهم الخاص.
وجلّ أن هذه الإقامة في «بغداد» قد تكون هي التي أوحت إلى من قالوا بأن مولده بها أن يقولوه، وجلىّ أن من قالوا بأن مولده الكوفة، وهم يعلمون إقامته ببغداد، كانوا بمعزل عن هذا الإيحاء، وملكوا شيئا خرجوا به عما يكاد يكون متفقا عليه، يساندهم على ذلك أن أباه ليس بغداديا، وأن الأسرة كانت غريبة على بغداد.
وكما كان الاختلاف في البلد الّذي ولد فيه ابن قتيبة، كان الاختلاف في السنة التي مات فيها.
يروى ابن الأنباري (٣٢٨ هـ) عن ابن المنادي، عن أبى القاسم إبراهيم بن محمد ابن أيوب بن بشير الصائغ: أن ابن قتيبة أكل هريسة، فأصاب حرارة، فصاح