ألا يجعلون لهم جسرين، فيكون أحدهما للمقبلين والآخر للمدبرين- يعنى الراجعين- فلا يزحم الناس بعضهم بعضا. فسر من حضر بمقالته، ولطف فطنته على صغر سنّه، وعقدوا جسرا آخر.
فلما أتت له ست عشرة/ ٣٢٤/ سنة، أمرهم أن يختاروا له ألف رجل، من أهل النجدة. ففعلوا: فأعطاهم الأرزاق، ثم سار بهم إلى نواحي «العرب» الذين كانوا يعيثون في أرضهم، فقتل من قدر عليهم، ونزع أكتافهم، وغوّر مياههم، ولم يأخذ منهم مالا ولا سلبا، فلما فرغ من ذلك، قال لمن معه من الجنود: إني أريد الدخول إلى أرض: «الروم» سرّا لأعرفها، ولأعرف قدر قوّتهم وعدتهم، ومسالك بلادهم، فإذا بلغت من ذلك حاجتي، انصرفت إلى بلدي، فسرت إليهم بالجنود. فحذّروه التغرير بنفسه. فلم يقبل قولهم وردهم، وانطلق متنكرا حتى دخل أرضهم، فلبث فيهم حينا، فبينما هو كذلك. إذ بلغه أن ابن «قيصر» أولم وليمة، وأمر بالمساكين أن يجمعوا ليطعموا، فانطلق «سابور» ، فتزيّا بزي السؤال، ثم شهد المجمع، وحضر الطعام، فأتى «قيصر» بإناء من آنية «سابور» ، منقوش فيها تمثال «سابور» ، فجعل خدمه يسقون به، فلما انتهى الإناء إلى رجل من عظمائهم، كان يعرف الفراسة، نظر التمثال الّذي فيه، وقد كان قبل ذلك نظر إلى وجه «سابور» ، فأمسك الإناء، وقال: إني لأرى أمرا معجبا. فقال قيصر: وما ذاك؟
فقال: إني أرى في الجلساء صاحب هذه الصورة! وأومأ إلى «سابور» ، فأمر «قيصر» بإدناء «سابور» منه، فسأله عن أمره، فاعتل عليه بضروب من العلل. فقال لهم المتفرّس: لا تقبلوا منه، فلم يزالوا به حتى أقرّ بأنه «سابور» ، فأمر به «قيصر» ، فجعل في تمثال بقرة أجوف من جلود البقر، ثم أطبق عليه