وبعد فكتاب المعارف موسوعة لتصف بالتنسيق، مختارة أحسن الاختيار، مبوّبة أجمل التبويب. تذكر الأنساب المتشعبة المتفرعة في إيجاز مستوعب، وتلخص التاريخ تلخيصا من غير إخلال، وتسوق الطرف والملح والنوادر على نهج محبب شائق، لا يفلت منها شيء ذو خطر دون أن تشير إليه وتفصله، مع إشارة إلى بعض المراجع فيها قصد، وكنا نحب أن يكون فيها إسراف. وهذا مما يعاب على ابن قتيبة وغيره من المؤرخين، يذكرون الخبر بسنده، ويحرصون على هذا السند، ولو كان حرصهم على ذكر المراجع مقرونا بهذا الحرص لأدّت أمثال هذه الموسوعات نفعها على وجه أوسع وأعم. ولكن لكل عصر أسلوب، وهكذا كان أسلوب المتقدمين، ومنهم ابن قتيبة.
وقد جمعت هذه الموسوعة- أعنى كتاب المعارف- كل ما يعنى الناس أن يعرفوه عن أسلافهم من أخبار، وما ينقل لهم من حديث. والكتاب لا شك لون من ألوان الثقافات في ذلك العصر، يدلك بما فيه على ما كان يحرص الناس أن يعرفوه.
وهو لا يزال مرجعا ذا بال يعتمد عليه ويرجع إليه، يسعف حين تعوز المطوّلات، ويغنى حين لا يحتاج إلى تفصيل.
وقد جمعه ابن قتيبة للناس فأحسن جمعه، وإن كان فاته- وهو الّذي ألّف في الشعر كتابه الجامع: الشعر والشعراء- أن يذكر أسماء الشعراء مع ما يروى لهم