للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال السعدي: «فكان أعظم مقامات دعوته دعوته إلى التوحيد الخالص والنهي عن ضده، دعا الناس لهذا، وقرره الله في كتابه، وصرفه بطرق كثيرة واضحة تبين وجوب التوحيد وحُسنه، وتعينه طريقاً إلى الله وإلى دار كرامته، وقرر إبطال الشرك والمذاهب الضارة بطرق كثيرة احتوى عليها القرآن، وهي أغلب السور المكية» (١).

وقال الشيخ حافظ الحكمي في منظومته (٢):

أَوَّلُ وَاجِبٍ عَلَى الْعَبِيدِ … مَعْرِفَةُ الرَّحْمَنِ بِالتَّوْحِيدِ

إِذْ هُوَ مِنْ كُلِ الْأَوَامِرِ أَعْظَمُ … وَهْوَ نَوْعَانِ أَيَا مَنْ يَفْهَمُ

إذا علمت هذا فالواجب عليك يا طالب العلم أن تعنى غاية العناية بالدعوة إلى توحيد الله، ونبذ الشرك كبيره وصغيره، فالأرض في زماننا قد كثر فيها الإشراك، والداعية إلى الله هو الطبيب الذي يداوي هؤلاء المرضى، واعلم أن هدي النبي الأمر بالتوحيد، والبداءة به قبل كل شيء، فلم يقل إن دعوتي للتوحيد ستهيج الناس علي، وتجعلهم يعرضون عني، بل ابتدأ به، فصارت المفاصلة بينه وبين قومه، وكذا إبراهيم ، فإن الله تعالى قال عنه في القرآن: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ﴾ (الممتحنة: ٤).

وإذا علمت أن الدعوة للتوحيد هي طريق الأنبياء، فاعلم أن من سلك طريقهم فلربما ناله بعض ما نالهم من أذى، فليستعد لذلك، فالأنبياء نالهم من الأذى في سبيل ذلك الكثير، قال ابن القيم: «وَالطَّرِيق طَرِيق تَعب فِيهِ آدم


(١) انظر: «تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن» للسعدي (ص ٢٩٢).
(٢) انظر: «سلم الوصول إلى علم الأصول» (ص ٣).

<<  <   >  >>