للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمراد: أن العبد ينبغي أن يكون راهباً من ربه سبحانه، يحدوه لذلك علمه بقدرة الله، وشدة بطشه بمن تعدى أوامره، وأنه سبحانه كما أنه غفور رحيم، فكذلك هو شديد العقاب، ولذا أمر عباده برهبته وحده فقال: ﴿وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾.

وهاتان العبادتان -الرغبة، والرهبة- جمع الله بينهما في آية واحدة، فحينما ذكر الدعوات التي دعا بها الأنبياء فأجيبت دعوتهم، قال بعد ذلك ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ (الأنبياء: ٩٠).

فالمؤمن الموحِّد هو الذي يرغب إلى ربه، ويرهب من ربه، فيجمع بين الخوف، والرجاء، ويجمع بين الرهبة والرغبة، وهذه صفة الأنبياء.

فإن قال قائل: كيف لي أن أجمع بين الخوف والرجاء؟ وبين الرغبة إلى الله والرهبة منه؟!

= الجواب: لا تنافي بينهما، فأنت -ولله المثل الأعلى- قد تخاف من مخلوق، وترجو ما عنده، والله ﷿ أعظم وأجل، وهو الذي قال: ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ﴾ (الذاريات: ٥٠)، فأنت تفرّ من عذاب الله إلى جنته ورحمته.

لكنك ينبغي أن تُغَلِّب جانب الرغبة، وجانب الرجاء عند الطاعة؛ لكي تنشط لها، وتُؤمل في قبولها، وتُغلبها كذلك عند الموت؛ لحديث: «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ ﷿» (١).

وتُغَلِّبُ جانب الرهبة، وجانب الخوف إذا هممت بمعصية، فتتذكر ما عند الله من العقوبة، حتى ترهب من ربك سبحانه، فلا تقع في ذنب من الذنوب.

وإذا عرفت أن الرغبة والرهبة عبادة فإنها لا تكون عبادة كاملة، إلا إذا


(١) أخرجه «مسلم» (٢٨٧٧) من حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيِّ.

<<  <   >  >>