للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذ قد علم أن بعض المعجزات نقلت تواترًا، وبعضها آحادًا، فالصواب عندئذ أن يقال: إنه لا يشترط نقل كل خبر تواترًا ولو كثر مشاهدوه، وإنما المعتبر الصحة فقط، خاصة إذا علمنا أن الراوي لم ينكر أحد عليه ما رواه، فهذه قرينة تقوي ذلك الخبر.

ثمَّ أورد الأصوليون مسائل تتعلق بالمعجزة الكبرى منها:

الأولى: إعجاز القرآن في نفسه

قال الزركشي: «ولا خلاف بين العقلاء، أن كتاب الله معجز، لأن العرب عجزوا عن معارضته، واختلفوا في سببه، هل كان لكونه معجزًا)، وهذا حق، ثم ذكر السبب الآخر فقال: «أو لمنع الله إياهم عن ذلك مع قدرتهم عليه، وهو المسمى بالصرف؟» (١). أي صرفوا بسلب القدرة على معارضته، وقد نسب الزركشي القول الأول للجمهور، والثاني للمعتزلة.

والقول بأن القرآن معجز لسلب الله العربَ قدرتهم على الفصاحة والبلاغة باطل بدلالة سياق آية التحدي الذي يدل على نقيض هذا القول، فالله -جل وعلا- يقول: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ [الإسراء: ٨٨]، فالسياق يقتضي (أنه لا يقال عن الشيء يُمنَعه الإنسان بعد القدرة عليه، وبعد أن كان يكثر مثله منه: إني قد جئتكم بما لا تقدرون على مثله ولو احتشدتم ودعوتم الإنس والجن إلى نصرتكم فيه، وإنما يقال: إني أعطيت أن أحول بينكم وبين كلام كنتم تستطيعونه وأمنعكم إياه» (٢)، فالآية دالة على أن القرآن خارج عن قدرتهم على معارضته.


(١) البحر المحيط للزركشي (١/ ١٨٣ - ١٨٤).
(٢) الرسالة الشافية في إعجاز القرآن للجرجاني (ص ١٤٩)، وانظر: الجواب الصحيح (٥/ ٤٣١)، البحر المحيط للزركشي (٢/ ١٨٤).

<<  <   >  >>