للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فمن المثبتة: ابن قدامة، فإنه قال: «والصحيح أن المتشابه: ما ورد في صفات الله سبحانه مما يجب الإيمان به ويحرم التعرض لتأويله، كقوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: ٥]، ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾ [المائدة: ٦٤]، ﴿لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [ص: ٧٥]، ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ﴾ [الرحمن: ٢٧] ﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا﴾ [القمر: ١٤]» (١).

وهذا الكلام يوجه توجيهين:

التوجيه الأول: إنها متشابهة من جهة حقائقها، وهذا شأن الأسماء المتواطئة، فإنها عند التجرد من الإضافة والتخصيص يفهم منها معنى كلي ذهني، وبعد الإضافة والتخصيص يمتنع أن يكون ما ثبت لله مشابهًا لما ثبت للمخلوقين، ومجرد الاشتراك في ذلك المطلق لا يوجب التماثل، فما ثبت لله يكون على وجه الكمال والتنزه عن مشابهة خلقه، ونقطع الطمع عن إدراك الكيفية التي حجبها الله عنا، فيكون التأويل المحرم فيها على هذا الأساس طلب معرفة الكيفية (٢).

التوجيه الثاني: أو يقصد أنها متشابهة من جهة استشكال المتكلمين لها (٣)، إذ لاحظوا الاتفاق والتواطؤ في الأسماء العامة، فظنوا أن ذلك يقتضي تشبيه صفات الله بصفات خلقه، فطلبوا تأويلها بصرفها عن ظاهرها المراد شرعًا، والحق خلاف ما توهموه، ولذلك قال: «ويحرم التعرض لتأويله»، ولذلك قال بعد سرده للآيات: «فهذا اتفق السلف على الإقرار به، وإمراره على وجهه، وترك تأويله … » (٤).

وإنما تعين ذكر التوجيهين، لأن من قال: المتشابه ما استأثر الله بمعناه، يكون


(١) روضة الناظر (١/ ١٨٦).
(٢) انظر: الحجة في بيان المحجة لأبي القاسم الأصفهاني التيمي (٢/ ٢٥٧).
(٣) انظر: شرح الكوكب المنير (٢/ ١٤١).
(٤) روضة الناظر (١/ ١٨٦).

<<  <   >  >>