للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأثبت أهل السنة والجماعة الحسن والقبح العقلي، ولم يجعلوا الإرادة الكونية مستلزمة للمحبة والرضا، فليست كلها مرضية، ومحبوبة له، فقد يخلق القبح لحكمةٍ، والعقل يدرك قبحها، لكن العقل لا يوجب أو يحرم شيئا من ذلك، بل ذلك للشرع (١).

الثانية: ذهب أكثر الأشعرية إلى أن التكاليف مدارها على محض المشيئة من غير حكمة ولا تعليل، ومن ثمّ جوَّزوا أن يكلف الله عباده بما يشاء من محال وغيره.

ومنعت المعتزلة التكليف بالمحال، والمعجوز عنه بكل صوره؛ لأنّ المحال لا يمكن امتثاله؛ وإذا لم يمكن امتثاله فلا توجد إرادته؛ إذ لا بدّ في الآمر من إرادة الأمر من المأمور امتثال ما أمر به، فلو وردت صيغة الأمر من غير إرادة الامتثال لم تكن أمرًا، وعليه فلا يمكن التكليف بما لا يطاق (٢).

الثالثة: التكليف بما علم الله انتفاء شرط وقوعه في وقته يدخل في الخلاف السابق؛ لأنّ القائل بامتناع تكليف ما لا يطاق، إمّا أن يقول بتلازم الأمر والإرادة -وهم المعتزلة-، وهؤلاء منعوا التكليف بما علم الله انتفاء شرط وقوعه في وقته؛ لأنّه إذا كانت فائدة التكليف الامتثال، وكان الامتثال ممتنعًا؛ لعدم القدرة عليه، امتنع التكليف لامتناع فائدته؛ لأن التكليف بلا فائدة عبث، وهو محال.

ومن لم يشترط الإرادة للأمر، وجعل حكمة التكليف، إمّا الامتثال، وإمّا الابتلاء -وهم أهل السنة- فلم يمنعوا من التكليف بما علم الله عدم تمكن المكلف


(١) تخريج الأصول على الأصول للعمري (ص ١٦٢ - ١٦٣)، مجموع الفتاوى (١١/ ٣٥٥)، منهاج السنة (٣/ ٩٨).
(٢) تخريج الأصول على الأصول للعمري (ص ٣٤٥ - ٣٤٦)، انظر: سلاسل الذهب (ص ١٣٧)، البحر المحيط (١/ ٣٨٨)، رفع الحاجب (٢/ ٣٤)، شرح مختصر الروضة (١/ ٢٣٩).

<<  <   >  >>