للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والحكمة في أفعال الله تعالى نوعان (١):

(١) حكمة مطلوبة لذاتها، كما في قول الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦] وقال: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [الطلاق: ١٢] فبين الله أن الحكمة من خلقه الجن والإنس ليعبدوه وحده ولا يشركوا به شيئًا، وهذه العبادة أمر محبوب لله تعالى ومطلوب له.

(٢) حكمة مطلوبة لغيرها وتكون وسيلة إلى مطلوب لنفسه، كالحكمة التي يراد بها الامتحان، وبعض هذه الحِكم هي وسيلة إلى مطلوب لنفسه، فامتحان الله لهؤلاء يترتب عليه شكر هؤلاء وكفر هؤلاء، وذلك يوجب آثارًا مطلوبة للفاعل من إظهار عدله وحكمته وعزته، وقهره، وسلطانه، وعطائه من يستحق عطاءه، ويحسن وضعه عنده، ومنعه من يستحق المنع، ولا يليق به غيره، ولهذا قال الله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ﴾ [الأنعام:: ٥٣].

وأما الحكمة الحاصلة من الشرائع أربعة أنواع (٢):

النوع الأول: حكمة حاصلة من الأمر بفعل مشتمل على مصلحة معلومة بأصل الفطرة والعقل، كالعدل، والإحسان، والصدق، أو حاصلة من النهي عن فعل مشتمل على مفسدة معلومة بأصل الفطرة والعقل، كالظلم والكذب.

النوع الثاني: حكمة حاصلة من الأمر بفعل، أو النهي عن فعل، بحسب اشتماله على المصلحة والمفسدة التي لا تعرف إلا بخطاب الشرع، فيكون الفعل قد اكتسب صفة الحسن والقبح بخطاب الشرع، كالتجرد في الإحرام، والتطهر


(١) انظر: شفاء العليل (٣٢٢).
(٢) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (٨/ ٤٣٥ - ٤٣٦)، ومفتاح دار السعادة (٢/ ٤٤٥).

<<  <   >  >>