والثالث: ما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به ولا نكذبه، وهذا لا يكون ردُّه أو قبوله إلا بحجَّة، كما قال شيخ الإسلام:«فما كان من هذا منقولاً نقلاً صحيحًا، عن النبي؛ كاسم صاحب موسى أنه الخضر، فهذا معلوم، وما لم يكن كذلك، بل كان مما يؤخذ عن أهل الكتاب؛ كالمنقول عن كعب، ووهب، ومحمد بن إسحاق، وغيرهم ممن يأخذ عن أهل الكتاب، فهذا لا يجوز تصديقه ولا تكذيبه إلا بحجة، كما ثبت في الصحيح عن النبي أنه قال: إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، فإما أن يحدثوكم بحق فتكذبوه، وإما أن يحدثوكم بباطل فتصدقوه».
ويلاحظ في هذا القسم أنه تجوز حكايته، ويُستدلُّ لجواز حكايته بأمور:
الأول: استدل شيخ الإسلام بالاختلاف الواقع في عِدَّة أصحاب الكهف، فقال:«... ولكن نقل الخلاف عنهم في ذلك جائز كما قال تعالى:{سَيَقُولُونَ ثَلاَثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاءً ظَاهِرًا وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا}[الكهف: ٢٢]». ثمَّ نبَّه على الأدب في مقام نقل الأقوال.
الثاني: قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج».
وقوله:«إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم ...». فقد أجاز صلّى الله عليه وسلّم التحديث عنهم، ولم ينكر ذلك أو يذكر له شرطًا، بل أمر بالتوقف فيما يحكون.
الثالث: أن هذا عمل جمهور من السلف في التفسير وغيره، وعملهم هذا موافق لجواز التحديث الذي بيّنته الأحاديث النبوية.
أما ما وقع من النكير من بعض السلف، فإنه يُحمل على أمور: