قالوا ذلك، لم يقصدوا أن حكم الآية مختص بأولئك الأعيان دون غيرهم، فإن هذا لا يقوله مسلم، ولا عاقل على الإطلاق».
وهذا التنبيه مهمٌّ جدًّا؛ لأنك تعتبر أسباب النُّزول ـ سواء أكانت صريحة أم غير صريحة ـ التي تفسَّر بها الآية من باب المثال، ثمَّ تنظر في أسباب النُّزول غير الصريحة صحة دخول ما ذكروه في معنى الآية؛ لأنَّ الأمر ـ في غير الصريحة ـ صار من باب التفسير بالرأي.
وإذا اعتبرت هذه الأسباب من باب المثال في التفسير فإنه لن يُشكلَ عليك تعدُّدُها؛ كالأسباب المذكورة في سبب نزول أول سورة الأنفال، ولا تعدد من نزلت فيه الآية؛ كالأسباب المذكورة في قوله تعالى:{إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ}[الكوثر: ٣].
وهذا يعني أنَّ ما يرد عن السلف في هذا الباب إذا اعتبرته من هذه الجهة فإنه يصح عندك بلا إشكال، وإن رُحْتَ تحقِّق على غير هذا السبيل فإنك ستردُّ بعض تفسيراتهم المرتبطة بالنُّزول بسبب عدم وضوح هذا السبيل من التفسير عندك، وحرصك على تعيين سبب واحدٍ من هذه الأسباب المذكورة.
وكذا قد يقع من بعض من يتعرض للتفسير؛ ردُّ بعض الأقوال التي تحتملها الآية بسبب عدم موافقتها لسبب النُّزول، مع أن الآية تحتملها إذا فسَّرتها على سبيل العموم، ومن ذلك ما ذكره ابن حجر العسقلاني (ت:٨٥٢) في شرحه لصحيح البخاري عند تفسير قوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[البقرة: ١٩٥]. فقد أورد عن أسلم بن عمران قال: كنا بالقسطنطينية، فخرج صف عظيم من الروم، فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم ثم رجع مقبلاً، فصاح الناس: سبحان الله، ألقى بيده إلى التهلكة. فقال أبو أيوب: أيها الناس، إنكم تؤولون هذه الآية على هذا التأويل، وإنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار، إنا لما أعزَّ الله دينه، وكثر ناصروه، قلنا بيننا سِرًّا: إن