ويبقى أن تعلم أنَّ شيخ الإسلام (ت:٧٢٨) يريد أن يحتجَّ على أولئك المبتدعة في أنَّ القرآن قد عُلمَ تفسيره من جهة الصحابة والتابعين، وينتج من ذلك:
* أنه لا يوجد في القرآن ما لا يُعلم معناه، فلا يقع متشابهٌ كليٌّ في هذا القسم الذي يتعلق بالمعنى، إذ كله معلوم مفسَّرٌ، ومنه معاني الأسماء والصفات التي كان النِّزاع فيها مشهورًا بين المتأخرين.
ولا شكَّ أنَّ عدم ورود تفسيرات جزئية لهذه المسائل التي بحثها المتأخرون لا يعني أنَّ السلف كانوا يفوضونها؛ لأنَّ التفويض لم يرد عنهم البتة، كما لم يرد عنهم إنكار معنى صفة من الصفات ولا اسم من الأسماء، ولهذا لا مدخل لهم في كون النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يفسر جميع القرآن، فهم يُلزمون بأن يثبتوا بالنقل أنَّ السلف فوَّضوا المعاني أو أنكروا معانيها كما يفعل المتأخرون، والموضوع في هذا طويل، والمراد التنبيه على أنَّه لا حجة لهؤلاء في تفسيراتهم المبتدعة بكون الرسول صلّى الله عليه وسلّم لم يفسر جميع القرآن، والله أعلم.
* أنه لا يوجد في القرآن ما خفِيَ علمه على الصحابة، وظهر لمن بعدهم بلا علمٍ ولا دليل ولا حجة يقوم عليها ذلك التفسير؛ كتفسيرات الرافضة والقرامطة وغيرهم من الغلاة الذين يزعمون أنَّ عندهم من تفسيره ما لا يُعلمَ إلا من جهتهم.
وليس ردُّ هذه التفسيرات لكونها لم ترد عن السلف فقط، بل لأنها باطلة في ذاتها، قال شيخ الإسلام (ت:٧٢٨): «وقوله [يعني: الغزالي]: إن كنت لا تَقْوَى على احتمال ما يَقْرَعُ سمعَك من هذا النمط ما لم تُسند التفسير للصحابة، فإن التقليد غالب عليك.
يقال له: إنما لم أحتمل هذا النمط لأني أعلم بالاضطرار أنه باطل، وأن الله لم يُرِدْهُ، فَرَدِّي للقَرْمَطَةِ في السمعيات كَرَدِّي للسفسطة في العقليات،