الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان؛ فإن التفاسير التي يذكر فيها كلام هؤلاء صرفًا لا يكاد يوجد فيها شيء من هاتين الجهتين مثل تفسير عبد الرزاق، ووكيع، وعبد بن حميد، وعبد الرحمن بن إبراهيم دحيم، ومثل تفسير الإمام أحمد، وإسحاق بن راهويه، وبَقِي بن مخلد، وأبي بكر بن المنذر، وسفيان بن عيينة، وسنيد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبي سعيد الأشج، وأبي عبد الله بن ماجه، وابن مردويه ...».
الثاني: أن التفسير إما منقول وإما معقول، وقد ذكر هذه الجزئية وشرحها في فصل خاصٍّ، قال:«... منه ما مستنده النقل فقط، ومنه ما يعلم بغير ذلك؛ إذ العلم إما نقل مصدق وإما استدلال محقق، والمنقول إما عن المعصوم وإما عن غير المعصوم، والمقصود بأن جنس المنقول سواء كان عن المعصوم أو غير المعصوم ـ وهذا هو النوع الأول ـ منه ما يمكن معرفة الصحيح منه والضعيف، ومنه ما لا يمكن معرفة ذلك فيه.
وهذا القسم الثاني من المنقول ـ وهو ما لا طريق لنا إلى الجزم بالصدق منه ـ عامته مما لا فائدة فيه، فالكلام فيه من فضول الكلام، وأما ما يحتاج المسلمون إلى معرفته، فإن الله نصب على الحق فيه دليلاً».
ويَحْسُنُ أن يعلم أن تحديد المنقول والمعقول من التفسير قضية نسبية تختلف باختلاف العصر، فقد يكون معقولاً في عصر ما هو منقول في عصر آخر، فإذا نظرت في عصر الصحابة فإن كل ما يروونه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم من الأخبار المغيبة ـ بما فيها أخبار بني إسرائيل ـ وما يروونه من أسباب النُّزول = كل ذلك يعد منقولاً بالنسبة لهم، فيدخل في التفسير المنقول.
أما ما قالوه بآرائهم سواء اتفقوا فيه أو اختلفوا، كاختلافهم في المراد بلفظ (القرء) هل هو الطهر أم الحيض؟ والمراد بالعاديات هل هي الإبل أم الخيل؟ ونحو ذلك مما كان مستنده الرأي المحمود = فإنه يدخل في باب التفسير المعقول، وجُلُّ تفسير مفسري الصحابة من هذا القسم.