قال ـ في معرض حديثه عن المتشابه، وبيان أن السلف تكلموا في جميع معاني القرآن ـ:«... ثَّم إنَّ الصحابة نقلوا عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنهم كانوا يتعلمون منه التفسير مع التلاوة، ولم يذكر أحد منهم قط أنه امتنع عن تفسير آية.
قال أبو عبد الرحمن السلمي: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا ـ عثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما ـ أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلّى الله عليه وسلّم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل ...» (١).
قال في بغية المرتاد (ص:٣٣٠ ـ ٣٣٢) في معرض ردِّه على أبي حامد الغزالي قوله في كتاب جواهر القرآن عن التفسير الباطن: «إن كنت لا تقوى على احتمال ما يقرع سمعك من هذا النمط ما لم تُسند التفسير للصحابة، فإنَّ التقليد غالب عليك» ـ: «... وأما التفسير الثابت عن الصحابة والتابعين، فذلك إنما قَبِلُوه لأنهم قد علموا أن الصحابة بلَّغوا عن النبي لفظ القرآن ومعانيه جميعًا كما ثبت ذلك عنهم، مع أن هذا مما يعلم بالضرورة من عادتهم، فإن الرجل لو صنف كتاب علمٍ في طبٍ أو حسابٍ أو غيرِ ذلك وحفظه تلامذته ـ لكان يُعْلَمُ بالاضطرارِ أنَّ هِمَمَهم تشوَّق إلى فهم كلامه ومعرفة مراده، وإن بمجرد حفظ الحروف لا تكتفي به القلوب، فكيف بكتاب الله الذي أمر ببيانه لهم، وهو عصمتهم، وهداهم، وبه فَرَقَ الله بين الحق والباطل والهدى والضلال والرشاد والغي، وقد أمرهم بالإيمان بما أخبر به فيه والعمل بما فيه، وهم يتلقونه شيئًا بعد شيء؛ كما قال تعالى:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً}[الفرقان: ٣٢]، وقال تعالى:{وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً}[الإسراء: ١٠٦]، وهل يتوهم عاقل أنهم كانوا إنما يأخذون منه مجرد حروفه، وهم لا يفقهون ما يتلوه عليهم، ولا ما يقرؤونه،