قوم اعتقدوا معاني، ثم أرادوا حمل ألفاظ القرآن عليها، وكان نظرهم إلى المعنى أسبق.
إن هذه المسألة من المسائل العلمية المهمة جدًّا، وهي تصلح لأن يتفرَّع عليها بحث متكاملٌ، فكم من بِدعٍ تشرَّبها مسلمٌ، ثم راح يحمل ألفاظ القرآن عليها؛ لئلا تنخرم القاعدة التي يسير عليها.
وهذه المسألة الدقيقة تسري على جمهورِ الذين يرجعون إلى القرآن ـ وفي أذهانهم مقررات سابقة ـ لأجل الاستفادة منه تفسيرًا أو حكمًا أو فوائدَ أو إعرابًا، أو غير ذلك.
فمن دخله، وفي ذهنه معنى من المعاني؛ راح يبحث عن دليل يناسب المعنى الذي عنده؛ سواءً أكان ذلك عن قصدٍ، كما هو شأن أهل التحريف، أم كان من غير قصد، بحيث يغلب عليه ما في ذهنه من حيث لا يدري.
ويظهر لك هذا الأمر جليًّا في هذا العصر الذي كثُرت فيه الأهواء والآراء المبتدعة، والتفسيرات الغريبة، فالطبيب يدخل إليه بذهنية الطبيب ومعلوماته، فيصرف معاني الآيات إلى ما يرى أنه مناسب لموضوعاتٍ طبيةٍ عنده، والفلكي يصرف الآيات إلى ما استقر عليه علم الفلك عنده، وهكذا دواليك.
ولا يمكن التخلُّص من هذه المسألة الشائكة إلا بالتَّجرد من هذه المعلومات التي تُسلَّطُ على آيات القرآن ليُبحث عن ما يناسبها منه، ثمَّ أن تُتَعلَّم أصول التفسير التي لا ينبغي لأحد أن يتكلم في القرآن إلا بمعرفتها.
[أصناف من كان نظرهم إلى المعنى أسبق]
يدخل في هذا طوائف من المبتدعة؛ كالخوارج والروافض والجهمية والمعتزلة والقدرية والمرجئة والصوفية وغيرهم، كذا ذكر شيخ الإسلام،