للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي مثل قوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} [الفتح: ٢٩]: أبو بكر، {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ}: عمر، {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}: عثمان، {تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا}: علي.

وأعجب من ذلك قوله بعضهم: {وَالتِّينِ} [التين: ١]: أبو بكر، {وَالزَّيْتُونَ} [التين: ١]: عمر، {وَطُورِ سِينِينَ} [التين: ٢]: عثمان، {وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ} [التين: ٣]: علي، وأمثال هذه الخرافات التي تتضمن تارة تفسير اللفظ بما لا يدل عليه بحال، فإن هذه الألفاظ لا تدل على هؤلاء الأشخاص، وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا} [الفتح: ٢٩] كل ذلك نعت للذين معه، وهي التي يسميها النحاة خبرًا بعد خبر.

والمقصود هنا أنها كلها صفات لموصوف واحد وهم الذين معه، ولا يجوز أن يكون كل منها مرادًا به شخص واحد، وتتضمن تارة جعل اللفظ المطلق العام منحصرًا في شخص واحد كقوله: إن قوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة: ٥٥] أريد بها علي وحده، وقول بعضهم: إن قوله: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} [الزمر: ٣٣] أريد بها أبو بكر وحده، وقوله: {لاَ يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} [الحديد: ١٠] أريد بها أبو بكر وحده ونحو ذلك».

ذكر شيخ الإسلام في هذه الأمثلة قاعدة في ضابط معرفة الانحراف في تفسير الألفاظ بأشخاص مُعَيَّنين، وهما ضابطان مهمَّان لمن يقرأ في التفسير:


= بقوله: «وما ذكره بعض المفسرين أن الصابرين محمد صلّى الله عليه وسلّم، والصادقين أبو بكر، والقانتين عمر، والمنفقين عثمان، والمستغفرين بالأسحار علي رضي الله عنهم أجمعين = فليس بصحيح ولا مرضي أيضًا؛ لأن كل واحد منهم موصوف بالصفات الخمس، اللهم إلا أن يحمل على معنى الازدياد منه، كما قال عليه السلام: «أفقهكم معاذ، وأفرضكم زيد، وأقرأكم أُبَي»؛ لأن أفعل التفضيل تقتضي الاشتراك في الوصفية أولاً، ثم الازدياد».

<<  <   >  >>