وإذا نظرت في طبقة التابعين فإن المنقول بالنسبة لهم يشمل كل ما رواه الصحابة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم من الأخبار الغيبية والإسرائيليات، وما ذكروه من أسباب النُّزول، ويضاف إلى ذلك ما قاله الصحابة بآرائهم فإنه يعد أيضًا منقولاً بالنسبة للتابعين، وإن كان في أصله يعود إلى التفسير بالمعقول.
وإذا نزلت إلى طبقة أتباع التابعين فإن كل المنقولات التي ذُكِرَتْ للتابعين تُعَدُّ تفسيرًا منقولاً عندهم، ويضاف إليها ما نقلوه من معقول التابعين في التفسير.
ومعنى هذا: أن ضابط المنقول في عصر الصحابة يختلف عنه في عصر التابعين، وفي عصر التابعين يختلف عنه في عصر من بعدهم.
ويمكن القول أن دائرة المنقول تضيق بتقدم الزمان، وتتسع بتأخره.
فإذا رجعت ـ مثلاً ـ إلى كتاب زاد المسير في علم التفسير، لابن الجوزي (ت:٥٩٧)، فالأقوال التي ينقلها المصنف هي بالنسبة لك منقولة، لأنه لا يمكن أن تعرفها إلا عن طريق النقل.
وبناءً على ما تقدم فإن من بلغ درجة الاجتهاد في التفسير في العصر الحاضر فإن له مجالين:
المجال الأول: هو أن يجتهد في الاختيار بين أقوال المفسرين السالفين دون أن يخرج عنها.
مثال ذلك: للمفسرين قولان في معنى قوله تعالى: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا}[العاديات: ١]:
أحدهما: أنها الإبل.
والثاني: أنها الخيل.
فيُرَجِّح المجتهد المعاصر ـ مثلاً ـ أن المراد بالعاديات: الخيل؛ بدليل قوله تعالى:{فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا}[العاديات: ٢]؛ لأن الخيل هي التي