قوم فسَّروا القرآن بمجرد ما يسوغ أن يريده من كان من الناطقين بلغة العرب بكلامه، من غير نظر إلى المتكلم بالقرآن، والمنَزَّل عليه، والمخاطب به، وكان نظرهم إلى اللفظ أسبق.
يدخل في هذا المقام أصناف من المتأوِّلين للقرآن، يجتمعون فيه، وإن كانت الأسباب بينهم مختلفة، ومن هذه الأسباب:
١ - عدم اعتبار المصطلحات الشرعية.
٢ - عدم الاعتماد على الملابسات التي تحدِّد المدلول العربي المراد، ولا على الوارد عن السلف في ذلك.
٣ - الدعوة إلى تفسير القرآن من قِبَلِ أي قارئ عربي كائنًا من كان لكون القرآن نصًا عربيًا أدبيًا.
وهؤلاء كلهم جرَّدوا القرآن عن ملابساته، وجعلوه لفظًا عربيًّا مجرَّدًا، فتأوَّلوه على هذا التأوُّل، فوقعوا في الخطأ من هذه الجهة.
وهنا ملحظ مهمٌّ جدًّا، وهو أن اللغة لا يمكن أن تستقل بفهم القرآن، وإن كانت من أكبر مصادره وأكثرِها؛ لكونه نزل قرآنًا عربيًّا.
كما أن هناك ملحظ دقيق آخر، وهو أنَّ هؤلاء الذين ذهبوا إلى هذا الفعل من الاعتماد على اللغة دون غيرها من المصادر يدخلون في زمرة من اعتقد معانٍ فأراد حمل القرآن عليها، حيث إنهم جعلوا اللغة التي وصلت إليها أفهامهم حكمًا على نصوص القرآن، وما من شكٍّ أن الأفهام ـ مهما بلغت ـ لا يمكن أن تستوعب المعاني، فالحكم على المعنى من خلال معلومهم من اللغة دون غيرها تحكُّمٌ ظاهرٌ، خصوصًا إذا ظهر في عباراتهم ما يدلُّ على ردِّ قول السلف أو ازدرائه.