للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الصنف الثاني: من يحملونه على ما لم يدل عليه ولم يرد به]

إن هذا الصنف أثر من آثار الصنف الأول، فغالب ما يقع فيه سلب لمعنى من معاني القرآن أنه يقع فيه حَمْلٌ على معنى غير مراد، والله أعلم.

فالمعتزلة لما نفوا الرؤية، حملوا قوله تعالى: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: ٢٣] على معانٍ باطلة لم يدل القرآن عليها، ولا هي من مراداته؛ كمن جعل ناظرة من الانتظار، ومن جعل «إلى» جمعٌ بمعنى الآلاء.

والأمثلة على حمل القرآن على ما لم يدل عليه ولم يُرد به كثيرة جدًّا، ويكفي أن تأخذ تفسيرًا من تفاسير الرافضة، فإنك ستجد أمثلة بالعشرات، وسترى كيف يقع حمل القرآن على ما لم يُرد به.

ومن أمثلة ذلك ما ورد في تفسير شيخ الطائفة الطوسي الرافضي (ت:٤٦٠)، فقد ذكر تفسير أهل السنة قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَومِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَاوِيلاً} [النساء: ٥٩]، وأن المراد بأولي الأمر: الأمراء أو العلماء، ثمَّ قال: «... وروى أصحابنا عن أبي جعفر وأبي عبد الله أنهم الأئمة من آل محمد صلّى الله عليه وسلّم، فلذلك أوجب طاعتهم بالإطلاق، كما أوجب طاعة رسوله وطاعة نفسه كذلك.

ولا يجوز إيجاب طاعة أحد مطلقًا إلا من كان معصومًا مأمونًا منه السهو والغلط، وليس ذلك بحاصل في الأمراء والعلماء، وإنما هو واجب في الأئمة الذين دلت الآية على عصمتهم وطهارتهم، فأما من قال: المراد به العلماء فقول بعيد ...» ثمَّ قال: «ولذا قال في آية أخرى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: ٨٣]، ولأنه إذا كان قولهم حجة من حيث كانوا معصومين حافظين للشرع جروا مجرى الرسول صلّى الله عليه وسلّم في هذا الباب» (١).


(١) التبيان في تفسير القرآن، للطوسي (٣:٢٣٦ ـ ٢٣٧).

<<  <   >  >>