للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَجْحَدُونَ} [الأنعام: ٣٣]: «و {يَجْحَدُونَ}، حقيقته في كلام العرب: الإنكارُ بعد المعرفةِ، وهو ضدُّ الإقرار ...» (١). ثمَّ قال: «وكفر العنادِ جائزُ الوقوعِ بمقتضى النَّظرِ، وظواهرُ القرآنِ تعطيه؛ كقوله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} [النمل: ١٤]، وغيرها ...» (٢)، ثُمَّ قالَ: «وأنا أستبعدُ العنادَ مع المعرفةِ التامَّةِ» (٣).

فانظر كيف سلب ابن عطية (ت:٥٤٢) ما دل عليه القرآن مع أنَّ نصَّ القرآن وظاهره يدلُّ على أنهم علموا علمًا يقينيًا، ولكنهم لم يؤمنوا.

وهذا الخطأ ـ أيضًا ـ في الدليل وفي المدلول، فنفي كفر الجحود ـ وهو المدلول ـ غير صحيح من جهة الشريعة، فظاهر الآيات تؤيِّد وقوعه، لذا فإنه لا يمكن أن يوجد دليل يدلُّ عليه، فالنفي الذي وقع من ابن عطية (ت:٥٤٢) خطأ في الدليل وفي المدلول.

ويمكن أن يقال ههنا قاعدة: كل مدلول باطل في ذاته ـ أي لا يدل عليه الشرع ـ فالخطأ فيه يقع من جهة الدليل والمدلول معًا، لأن الدليل الشرعي لا يمكن أن يدل على معنى باطل.

ومن أمثلة ما وقع فيه الصوفية في الخطأ في الدليل والمدلول ما ورد عن بعضهم من أنه فسر قوله تعالى: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [ص: ٤٢] من أنه الرقصُ، وبنى على ذلك جواز الرقص للرجال، كما يفعله الصوفية.

وهذا خطأ، فالرقص من حيث هو لا يجوز للرجال، لذا فربطه بالقرآن خطأ محضٌّ.


(١) المحرر الوجيز، ط: قطر (٥:١٨٢).
(٢) المحرر الوجيز، ط: قطر (٥:١٨٣).
(٣) المحرر الوجيز، ط: قطر (٥:١٨٤).

<<  <   >  >>