غيره، وكذلك قوله:{إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} خبر عن كونهما فيه، وقوله:{إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ} لا مدح فيه أيضًا؛ لأنَّ تسمية الصاحب لا تفيد فضيلة، ألا ترى أن الله تعالى قال في صفة المؤمن والكافر:{قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ}[الكهف: ٣٧]، وقد يسمون البهيمة بأنها صاحب الإنسان كقول الشاعر:
وصاحبي بازل شمول
وقد يقول الرجل المسلم لغيره: أرسل إليك صاحبي اليهودي، ولا يدلُّ ذلك على الفضل.
وقوله:{لاَ تَحْزَنْ} وإن لم يكن ذمًّا، فليس بمدح، بل هو نهي محضٌّ عن الخوف.
وقوله:{إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}؛ قيل: المراد به النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولو أريد أبو بكر معه لم يكن فيه فضيلة؛ لأنه يحتمل أن يكون ذلك على وجه التهديد؛ كما يقول القائل لغيره إذا رآه يفعل القبيح: لا تفعل، إن الله معنا، يريد أنه مطلع علينا، عالم بحالنا.
والسكينة قد بيّنا أنها نزلت على النبي صلّى الله عليه وسلّم بما بيّناه من أن التأييد بجنود الملائكة كان يختص بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، فأين موضع الفضيلة للرجل لولا العناد.
ولم نذكر هذا للطعن في أبي بكر، بل بيَّنا أن الاستدلال بالآية على الفضل غير صحيح» (١).
فيالله العجب من هذا الكلام والتحريف الذي يُستعمل فيه كل تخريج غريب، يُغالب به ظاهر الآية ونصَّها، فمجرد الاحتمال حجة، وليس هذا فقط بل هو احتمال باطل متهافت، فهل مقام الغار مقام تهديد لأبي بكر،
(١) التبيان في تفسير القرآن، للطوسي (٥:٢٢٢ ـ ٢٢٣).