الْمُؤْمِنِينَ} وقد شهد النبي صلّى الله عليه وسلّم لأمير المؤمنين بما يوافق لفظ الآية في قوله يوم ندبه لفتح خيبر بعد فرار من فرَّ عنها واحدًا بعد واحدٍ (١): «لأعطين الراية غدًا رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، كرارٌ غير فرَّار، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه»، فدفعها إلى أمير المؤمنين، فكان من ظفره ما وافق خبر الرسول صلّى الله عليه وسلّم.
ثمَّ قال:{أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}، فوصف من عناه بالتواضع للمؤمنين والرفق بهم، والعزة على الكافرين، والعزيز على الكافرين هو الممتنع من أن ينالوه مع شدة نكايته فيهم ووطأته عليهم، وهذه أوصاف أمير المؤمنين التي لا يُدانَى فيها ولا يُقارب.
ثمَّ قال:{يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ} فوصف ـ جلَّ اسمه ـ من عنا بهذا الجهاد، وبما يقتضي الغلبة فيه، وقد علمنا أنَّ أصحاب رسول الله بين رجلين: رجلاً لا عناء له في الحرب ولا جهاد. والآخر له جهاد وعناء، ونحن نعلم قصور كل مجاهد عن منزلة أمير المؤمنين في الجهاد، فإنهم مع منزلتهم في الشجاعة وصدق البأس لا يلحقون منزلته ولا يقاربون رتبته؛ لأنه المعروف بتفريج الغمم، وكشف الكرب عن وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو الذي لم يحم قط عن قرن، ولا نكص عن هول، ولا ولَّى الدبر، وهذه حالة لم تسلم لأحد من قبله ولا بعده، فكان بالاختصاص بالآية أولى؛ لمطابقة أوصافه لمعناها.
فأما من قال إنها نزلت في أبي بكر، فقوله بعيد من الصواب؛ لأنه ـ تعالى ـ إذا وصف من أراد بالآية بالعزة على الكافرين، وبالجهاد في سبيله مع اطراح اللوم؛ كيف يجوز أن يظن عاقل توجيه الآية إلى من لم يكن له حظ في ذلك الموقف؛ لأن المعلوم أن أبا بكر لم يكن له نكاية في
(١) لا يجهلك أخي القارئ ما في هذا الزعم من خطأ، بل كذبٍ، والله المستعان.