قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: ٢٤٩]، قال:«هذه الآية مثل ضربه الله للدنيا، فشبَّهها الله بالنهر، والشاربَ منه بالمائل والمستكثر منها. والتارك لشربه بالمنحرف عنها والزاهد فيها. والمغترف غرفة بيده بآخذ منها قدر الحاجة، وأحوال الثلاثة عند الله مختلفة».
هذا الكلام ـ وهو المدلول ـ لو ذُكِرَ مجرَّدًا عن الآية، ولم يُزعم أنها تدلُّ عليه لكان كلامًا حسنًا مقبولاً، فهو ـ من حيث هو ـ كلام صحيح يوافق الحقَّ، لكن كون الآية دلت عليه غير صحيح مطلقًا.
وهذا النوع كما يكثر عند الصوفية، فإنه يكثر اليوم عند الوُعَّاظِ، وعند متطلِّبي الفوائد التربوية، ومن يحرص على تنْزيل الآيات على الواقع، ومن يتتبع تنْزيل القرآن على المكتشفات العلمية المعاصرة.
فكل هؤلاء قد يذكرون في كلامهم ما هو صحيح في ذاته، غير مخالفٍ لشيء من الشريعة، لكن يقع الخطأ في كون الآية تدلُّ على المسألة التي يذكرونها.
فالمنازعة هنا في صحَّة دلالة الآية على هذه الفائدة أو تلك، وليس في صحة الفائدة في ذاتها، والله أعلم.
وأختم هذا المبحث بنقل كلام آخر لشيخ الإسلام في هذا الموضوع، قال: «... وأغرب من هذا ما قاله لي مرة شخص من هؤلاء الغالطين في قوله تعالى:{وَمَا يَعْلَمُ تَاوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ}، قال: المعنى: وما يعلم تأويل (هو)؛ أي: اسم (هو) الذي يقال فيه: هو هو، وصنَّف ابن عربي كتابًا في (الهو).