للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(١٢٨) قال الترمذي: هذا حديث غريب، وقد تكلم بعض أهل الحديث في سهيل بن أبي حزم.

وهكذا رُوِيَ عن بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم وغيرهم أنهم شدَّدوا في أن يُفسَّر القرآن بغير علم، وأما الذي رُوي عن مجاهد وقتادة وغيرهما من أهل العلم أنهم فسروا القرآن؛ فليس الظن بهم أنهم قالوا في القرآن، أو فسروه بغير علم، أو من قبل أنفسهم.

(١٢٩) وقد رُوِيَ عنهم ما يدل على ما قلنا أنهم لم يقولوا من قِبَل أنفسهم بغير علم (١)، فمن قال في القرآن برأيه فقد تكلف ما لا علم له به، وسلك غير ما أُمِرَ به، فلو أنه أصاب المعنى في نفس الأمر لكان قد أخطأ؛ لأنه لم يأت الأمر من بابه، كمن حكم بين الناس على جهل، فهو في النار، وإن وافق حُكْمُه الصوابَ في نفس الأمر، لكن يكون أخفَّ جرمًا ممن أخطأ، والله أعلم.

(١٣٠) وهكذا سمى الله تعالى القَذَفَةَ كاذبين، فقال: {فَإِذْ لَمْ يَاتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: ١٣] فالقاذف كاذب (٢)، ولو كان قد قذف من زنى في نفس الأمر؛ لأنه أخبر بما لا يحل له الإخبار به، وتكلَّف ما لا علم له به، والله أعلم.

(١٣١) ولهذا تحرَّج جماعة من السلف عن تفسير ما لا علم لهم به، كما روى شعبة، عن سليمان، عن عبد الله بن مرة، عن أبي معمر، قال: قال أبو بكر الصديق: «أيُّ أرض تُقِلُّنِي، وأيُّ سماء تُظِلُّنِي إذا قلت في كتاب الله ما لم أعلم؟!».


(١) أصل هذا الكلام عند الترمذي، وفيه اختلاف يسير، ينظر: سنن الترمذي، تحقيق: إبراهيم عطوة عوض (٥:٢٠٠).
(٢) أي: يلزمه وصف الكذب، وإن كان قد رأى الزنى بعينه، وذلك في ظاهر الأمر للناس، ما دام لم يأت بأربعة شهداء يشهدون على هذا الأمر.

<<  <   >  >>