ومن تقييد المطلق تفسير قوله تعالى:{وَالْمَلاَئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ}[الشورى: ٥]، فقد أطلق الاستغفار لكل من في الأرض، ثم جاء تقييده بالذين آمنوا في قوله تعالى:{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ}[غافر: ٧]. فلو لم تحمل آية غافر على آية الشورى، لجعلت الاستغفار كائنًا للكفار، وإذا حملتها عليها أخرجت الكفار من دائرة الاستغفار، وبهذا يبين الأثر التفسيري في تقييد المطلق، وكذا في أشباهه من الخاص والبيان والناسخ.
ومن أمثلة بيان لفظة غريبة في آية ـ وهو قليل في تفسير القرآن ـ بالقرآن = بيانُ معنى لفظ (سجيل) في قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ}[هود: ٨٢]، فهذا في عذاب قوم لوط عليه السلام، ولما ذكر هذا العذاب في موضع آخر قال:{لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ}[الذاريات: ٣٣]، فدلَّ على أن السِّجيل هو الطين.
الأمر السادس: أنه لا يلزم أن يكون لكل آيةٍ آيةٌ أخرى تفسرها، وذلك أمر ظاهر، ولا يبعد أن يكون تفسير القرآن بالقرآن من أقلِّ المصادر؛ إذا اعتبرت أنَّ ضابط البيان ضابطٌ صحيح في مصطلح «تفسير القرآن بالقرآن».
وقد أشار إلى ذلك شيخ الإسلام بقوله:«والغرض أنك تطلب تفسير القرآن منه، فإن لم تجده فمن السنة»، وهذا يعني أنه قد لا يجد تفسيرًا من القرآن لكل آية من القرآن.
الأمر السابع: التفريق بين باب الاستدلال وباب التفسير، ففي الاستدلال يكون القرآن المصدر الأول من مصادر التشريع بلا خلاف بين المسلمين، ثمَّ يتلوه المصدر الثاني، وهو السنة النبوية.
وفي التفسير يكون القرآن كذلك المصدر الأول، وهو على قسمين: