معنى ذلك وكان من أثقل الأمور عليه قراءة كلام لا يفهمه؛ فإذا كان السابقون يعلمون أن هذا كتاب الله وكلامه الذي أنزل إليهم وهداهم به وأمرهم باتباعه، فكيف لا يكونون أحرص الناس على فهمه ومعرفة معناه من جهة العادة العامة والعادة الخاصة، ولم يكن للصحابة كتاب يدرسونه وكلام محفوظ يتفقهون فيه إلا القرآن وما سمعوه من نبيهم صلّى الله عليه وسلّم، ولم يكونوا إذا جلسوا يتذاكرون إلا في ذلك.
قال البخاري:«كان الصحابة إذا جلسوا يتذاكرون كتاب ربهم وسنة نبيهم، ولم يكن بينهم رأي ولا قياس»، ولم يكن الأمر بينهم كما هو في المتأخرين: قوم يقرؤون القرآن ولا يفهمونه، وآخرون يتفقهون في كلام غيرهم ويدرسونه، وآخرون يشتغلون في علوم أخر وصنعة اصطلاحية، بل كان القرآن عندهم هو العلم الذي يعتنون به حفظًا وفهمًا وعملاً وتفقهًا، وكانوا أحرص الناس على ذلك ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أظهرهم، وهو يعلم تأويله ويبلغهم إياه كما يبلغهم لفظه، فمن الممتنع أن لا تتحرك نفوسهم لمعرفته، ومن الممتنع أن لا يعلمهم إياه، وهم أحرص على كل سبب ينال به العلم والهدى، وهو أحرص الناس على تعليمهم وهدايتهم، بل كان أحرص الناس على هداية الكفار ...».