والآخرة، ويفسرون (الشجرة) التي كلم منها موسى و (الوادي المقدس) ونحو ذلك بأحوال تعرض للقلب عند حصول المعارف له، وممن سلك ذلك صاحب «مشكاة الأنوار» وأمثاله، وهي مما أعظم المسلمون إنكاره عليه، وقالوا: أمرضه «الشفاء»، وقالوا: دخل في بطون الفلاسفة، ثم أراد أن يخرج فما قدر، ومن الناس من يطعن في هذه الكتب، ويقول: إنها مكذوبة عليه، وآخرون يقولون: بل رجع عنها، وهذا أقرب الأقوال؛ فإنه قد صرح بكفر الفلاسفة في مسائل، وتضليلهم في مسائل أكثر منها، وصرح بأن طريقتهم لا توصل إلى المطلوب.
وباطنية الفلاسفة يفسرون الملائكة والشياطين بقوى النفس، وما وعد الناس به في الآخرة بأمثال مضروبة لتفهيم ما يقوم بالنفس بعد الموت من اللذة والألم، لا بإثبات حقائق منفصلة يتنعم بها ويتألم بها، وقد وقع في هذا الباب في كلام كثير من متأخري الصوفية، ما لم يوجد مثله من أئمتهم ومتقدميهم، كما في كلام كثير من متأخري أهل الكلام والنظر من ذلك ما لا يوجد عن أئمتهم ومتقدميهم.
وهؤلاء المتأخرون ـ مع ضلالهم وجهلهم ـ يدَّعون أنهم أعلم وأعرف من سلف الأمة ومتقدميها، حتى آل الأمر بهم إلى أن جعلوا الوجود واحدًا، كما فعل ابن عربي صاحب الفصوص وأمثاله فإنهم دخلوا من هذا الباب حتى خرجوا من كل عقل ودين، وهم يدعون مع ذلك أن الشيوخ المتقدمين: كالجنيد بن محمد، وسهل بن عبد الله التستري، وإبراهيم الخواص، وغيرهم ماتوا وما عرفوا التوحيد، وينكرون على الجنيد وأمثاله إذا ميزوا بين الرب والعبد كقوله:«التوحيد» إفراد الحدوث عن القدم، ولعمري إن توحيدهم الذي جعلوا فيه وجود المخلوق وجود الخالق هو من أعظم الإلحاد الذي أنكره المشايخ المهتدون، وهم عرفوا أنه باطل فأنكروه وحذروا الناس منه، وأمروهم بالتمييز بين الرب والعبد، والخالق والمخلوق،