ولهذا كان أئمة السلف وأتباعهم يذكرون الآيات في هذا الباب، ثمَّ يتبعونها بالأحاديث الموافقة لها، كما فعل البخاري ومن قبله ومن بعده من المصنفين في السنة، فإن الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه وغيرهما يحتجون على صحة ما تضمنته أحاديث النُّزول والرؤية والتكليم والوجه، واليدين والإتيان والمجيء بما في القرآن، ويثبتون اتفاق دلالة القرآن والسنة عليها، وأنهما من مشكاة واحدة، ولا ينكر ذلك من له أدنى معرفة وإيمان، وإنما يحسن الاستدلال على معاني القرآن بما رواه الثقات عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم ورثة الأنبياء، ثم يتبعون ذلك بما قاله الصحابة والتابعون أئمة الهدى.
وهل يخفى على ذي عقل سليم أن تفسير القرآن بهذا الطريق خير مما هو مأخوذ عن أئمة الضلال وشيوخ التجهم والاعتزال كالمريسي والجبائي والنظام والعلاف وأضرابهم من أهل التفريق والاختلاف الذين أحدثوا في الإسلام ضلالات وبدعًا، وفرقوا دينهم وكانوا شيعًا، وتقطعوا أمرهم بينهم كل حزب بما لديهم فرحون.
فإذا لم يجز تفسير القرآن وإثبات ما دل عليه، وحصول العلم اليقين بسنن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الصحيحة الثابتة، وكلام الصحابة وتابعيهم، أفيجوز أن يرجع في معاني القرآن إلى تحريفات جهم وشيعته، وتأويلات العلاف النظام والجبائي والمريسي وعبد الجبار وأتباعهم من كل أعمى أعجمي القلب واللسان، بعيدٍ عن السنة والقرآن، ومغمورٍ عند أهل العلم والإيمان ...» (١).
ولما كان الأمر هنا في مناقشة أهل البدع الذين ضلوا الطريق جاء هذا التبيين منهما رحمهما الله على هذا الوجه، لكن ما في المقدمة تبين لأناس لم يُشابوا بهذه العقائد الفاسدة، فهل فسَّر النبي صلّى الله عليه وسلّم جميع القرآن؟
كان من الأولَى الحديث المفصل عن هذا في الطريق الثاني من طرق