للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإذَا كَانَ يَومُ صَوْمِ أحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ فإنْ سَابَّهُ أحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌ. وَالذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أفْطَرَ فَرِحَ بفطره، وَإذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ" متفقٌ

ــ

ابن العربي: إنما كان جنة من النار لأنه إمساك عن الشهوات والنار محفوفة بها (فإذا كان) أي: وجد (يوم صوم أحدكم فلا يرفث) بضمِ الفاء وكسرها على أن ماضيه رفث بالفتح، وأما على أنه بكسرها فالمضارع يرفث بالفتح رفثاً بالسكون في المصدر، وبالفتح في اسمه أي لا يتكلم بالكلام الفاحش (ولا يصخب) بفتح الخاء أي: لا يكثر لغطه (فإن سابه أحد) أي: سبه والمفاعلة للمبالغة لا للمغالبة، أو على بابها لأن من شأن من سب أن يسب (أو قاتله) أي: نازعه أو خاصمه (فليقل) بقلبه (١) لينزجر (إني صائم) (٢) وقيل: بلسانه لينزجر خصمه عنه أي: إن أمن نحو رياء، وعليه فقيل: يجمع بينهما ليزجر بلسانه خصمه وبقلبه نفسه، ويكون من حمل اللفظ على حقيقته ومجازه وذلك جائز عند الشافعي، وهذا وإن لم يخص الصائم إلا أنه فيه آكد (والذي نفس محمد بيده) أي: بقدرته أتى به للتأكيد ففيه ندب القسم لتأكيد الأمر عند السامع (لخلوف) بضم الخاء واللام وسكون الواو وبالفاء، قال عياض: هكذا الرواية الصحيحة، وبعض الشيوخ يقوله: بفتح الخاء، قال الخطابي: وهو خطأ.

وحكي عن القابسي الوجهين، وبالغ المصنف فقال في مجموعه: لا يجوز فتح الخاء، واحتج غيره لذلك بأن المصادر التي جاءت على فعول بفتح أوله قليلة، ذكرها سيبويه وغيره، وليس هذا منها (فم الصائم) فيه دليل على إثبات الميم في فم حال إضافته لظاهر؛ خلافاً لمن منع منه، والمراد تغير فيه الناشىء عن الصوم، وهو مطلق مقيد بحديث: أعطيت أمتي في رمضان خمساً إلى أن قال والثانية أنهم يمسون، وخلوف أفواههم أطيب عند الله من ريح المسك، وبه أيضاً استدل على أن ذلك في الدنيا، كما قاله ابن الصلاح والجمهور، خلافاً لابن عبد السلام في قوله: إن ذلك في الآخرة، كدم الشهيد (أطيب عند الله من ريح المسك) قال المازري: هو مجاز عن تقريب الصوم منه تعالى؛ لأنه جرت عادتنا بتقريب الروائح الطيبة منا فاستعير ذلك للصوم؛ لتقريبه من الله تعالى أي: إنه أطيب عند الله من ريح المسك عندكم أي: يقرب إليه تعالى أكثر من تقرب المسك إليكم، وإليه أشار ابن عبد البر، وقيل: المعنى أن حكم الخلوف والمسك عند الله على ضد ما هو عندكم، وهذا


(١) أي يحدث بها نفسه ليمنعها من مشاتمته.
(٢) الذي في نسخة صحيحه من صحيح البخاري إني امرؤ صائم. ع.

<<  <  ج: ص:  >  >>