للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَسْتَجِيرُونِي؟ قالوا: مِنْ نَارِكَ يَا رَبِّ. قَالَ: وَهَلْ رَأوْا نَاري؟ قالوا: لا، قَالَ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا نَارِي؟! قالوا: وَيَسْتَغفِرُونكَ؟ فيقولُ: قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، وَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَألُوا، وَأجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجَارُوا. قَالَ: فيقولون: ربِّ فيهمْ فُلانٌ عَبْدٌ خَطَّاءٌ إنَّمَا مَرَّ، فَجَلَسَ مَعَهُمْ. فيقُولُ: ولهُ غَفَرْتُ، هُمُ القَومُ لاَ يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ" (١) .

ــ

اجتزاءً بدلالة الكسرة عليها، وهو مضبوط في الأصول من مسلم، والرياض بكسر الباء (قال: فكيف لو رأوا جنتي) سكت الراوي عن جوابهم عن هذا نسياناً وقد بينه في الرواية السابقة عند البخاري (قالوا: ويستجيرونك) أي: يسألونك الجوار أي الأمان (قال: ومما) بإثبات الألف. هكذا في الأصول، وجاء على خلاف الغالب من حذف ألفها عند جرها تخفيفاً، أي: ومن أي شيء (يستجيروني) بنون مخففة، والأصل يستجيرونني بنونين نون الرفع ونون الوقاية، فحذفت أحداهما تخفيفاً وفي تعيينها خلاف، الأرجح أنها نون الوقاية كما قاله ابن هشام (قالوا: من نارك) حذف المتعلق لدلالة وجوده في السؤال عليه (يا رب) غاير بين حرفي النداء تفنناً في التعبير، وأتى بحرف النداء الموضوع للبعيد دون العكس تفخيماً، قاله الشيخ خالد في شرح التوضيح. (قال: وهل رأوا ناري؟ قالوا: لا، قال: فكيف لو رأوا ناري) أظهر في محل الإِضمار في الجملتين؛ للتعظيم والتهويل (قالوا: يستغفرونك) كذا هو بحذف الواو في صحيح مسلم مصححاً عليه وهي مقدرة؛ لأنها معطوفة كالجمل قبلها، وليست جواب قوله: (فكيف لو رأوا ناري؟ فيقول: قد غفرت لهم) بدأ به في الجواب؛ لأنه أقرب مطلوب؛ وأسنى مرغوب؛ ولأن ما بعده مبني عليه فلذا فرع عليه قوله: (فأعطيتهم ما سألوا) يعني الجنة (وأجرتهم) بالقصر أي: آمنتهم (مما استجاروا) بحذف العائد المنصوب بما قبله محلاً والمجرور بمن أي: منه (قال: يقولون رب فيهم فلان عبد خطاء) بفتح المعجمة وتشديد المهملة وبالهمزة آخره، أي: كثير الخطايا (إنما مر) هو بمعنى قوله فيما قبله، إنما جاء لحاجة (فجلس معهم قال: فيقول: وله غفرت) بتقديم الظرف، للاهتمام (هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) قال الحافظ في الفتح: في الحديث فضل الذكر والذاكرين، وفضل الاجتماع على ذلك، وأن جليسهم يندرج معهم في جميع ما يتفضل عليهم إكراماً لهم، وإن لم يشاركهم في أصل الذكر. وفيه محبة الملائكة لبني آدم واعتناؤهم بهم، وفيه أن السؤال قد يصدر ممن هو أعلم بالمسؤول عنه من


(١) أخرجه البخاري في كتاب: الدعوات، باب: فضل ذكر الله عز وجل (١١/١٧٧ و١٧٩) .
وأخرجه مسلم في كتاب: الذكر والدعاء ... ، باب: فضل مجالس الذكر، (الحديث: ٢٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>