للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال تَعَالَى (١) : (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكرِيّا المِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قالت هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) .

وقال تَعَالَى (٢) : (وَإذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ فَأْوُوا إِلَى الكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ

ــ

ولادته إرهاصاً لنبوته وكرامة لها (وقال تعالى: كلما دخل عليها زكريا المحراب) أي: الغرفة التي بناها لها في المسجد (وجد) هو الناصب لكلما على الظرفية (عندها رزقاً) قيل: كان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وبالعكس، وقيل: صحف فيها علم، والأول أصح (قال يا مريم أنى لك هذا) من أين لك في غير أوانه والأبواب مغلقة (قالت: هو من عند الله) فلا يستبعد. قيل: هي كعيسى تكلمت صغيرة ولم ترضع ثدياً، ويأتي رزقها من الجنة (إن الله يرزق من يشاء بغير حساب) لكرمه وسعته. قال الشيخ تاج الدين السبكي في إثبات الكرامة: ومنها قصة مريم من جهة حبلها من غير ذكر، وحصول الرطب الطري من الجذع اليابس، ودخول الرزق عندها في غير أوان حضور أسبابه، وهي لم تكن نبية لا عندنا لقوله ْتعالى: (وأمه صديقة) (٣) ولا عند الخصم (٤) لاشتراطه الذكورة في النبي وهو متفق عليه بيننا وبينه، ولا جائز أن يكون ذلك معجزة لزكريا لأن المعجزة يجب كونها بمشهد من الرسول والقوم حتى تقوم الدلالة عليهم وما حكيناه من كرامتها نحو قول جبريل لها (وهزي إليك بجذع النخلة) (٥) الآية لم يكن بحضور أحد بدليل (فإما ترين من البشر أحداً) (٦) وأيضاً فالمعجزة تكون بالتماس الرسول، وزكريا ما كان يعلم بحصولها بدليل قوله: (أنى لك هذا) وأيضاً فهذه الخوارق إنما ذكرت لتعظيم شأن مريم فيمتنع كونه كرامة لغيرها، ولا جائز أن يكون إرهاصاً لعيسى، لأن الإِرهاص أن يخص الرسول قبل رسالته بالكرامات، وأما ما يحصل به كرامة الغير لأجل أنه يستحيي بعد ذلك فذلك هو الكرامة التي يدعيها، ولأنه لو جاز ذلك لجاز في كل معجزة ظهرت على يد رسول أنها إرهاص لنبي آخر يجيء بعد وتجويز هذا يؤدي إلى سد الاستدلال بالمعجزة على النبوة. اهـ (وقال تعالى) حكاية عن تخاطب أهل الكهف فيما بينهم (وإذ اعتزلتموهم) أي: الكفرة الذين في البلد المرجفين بهم (وما يعبدون) أي: معبوداتهم أو الذين تعبدونهم (إلا الله) فإنهم كانوا يعبدونه صريحاً، أو في ضمن عبادتهم (فأووا) انضموا (إلى الكهف ينشر) يبسط (لكم ربكم من رحمته)


(١) سورة آل عمران، الآية: ٣٧.
(٢) سورة الكهف، الآيتان: ١٦، ١٧.
(٣) سورة المائدة، الآية: ٧٥.
(٤) قوله (الخصم) مراده من ينكر كرامة الأولياء.
(٥) سورة مريم، الآية: ٢٥.
(٦) سورة مريم، الآية: ٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>