الحديث إذ تباحثوا فيه وناظروا عليه وتناظروا. وفي الحديث إباحة المناظرة في العلم والمباحثة في نصوص الشرع على جهة الاستفادة وإظهار الحق (فقال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا رسول الله) أي: السابقون الذين صحبوه وقاموا بنصرة الدين وهجروا الأهل والأوطان لذلك (وقال بعضهم: فلعلهم الذين ولدوا) بالبناء للمفعول (في الإسلام) أي: وإن لم يرهم وفضلهم ما أشاروا
إليه بقولهم (فلم يشركوا با) فيه دليل على شرف المسلم أصالة على من كان كافراً ثم أسلم، ويدل له ما ذكره الفقهاء في تقديم من دخل آباؤه في الإسلام على من تأخر آباؤه في الدخول فيه في الإمامة (وذكروا أشياء) من الاحتمالات في التعيين (فخرج عليهم رسول الله) أو عقب خضوهم في ذلك كما تشعر به الفاء إراحة لهم من الخوض فيما لا سبيل لهم لمعرفته إلا من جهته (فقال ما الذي تخوضون فيه؟ فأخبروه، فقال: هم الذين لا يرقون ولا يسترقون) أي: يطلبون الراقية لهم من الغير. وقد اختلف العلماء في هذا المقام مع ورود السنة فعلاً وإذناً بجواز الرقية والاسترقاء. والذي رجحه المصنف والقرطبي وغيرهما من ذلك ما قاله الخطابي وغيره أن المراد ترك ذلك توكلاً ورضاً بقضاء الله تعالى وبلائه، قال الخطابي: وهذه من أرفع درجات المتحققين بالإيمان. قال: وإلى هذا ذهب جماعة سماهم.
قال المصنف: وحاصله أن هؤلاء كمل تفويضهم إلى الله تعالى فلم يسعو في دفع ما أوقعه بهم، ولا شك في رجحان هذه الحال وفضيلة صاحبها. وأما تطببه فلبيان الجواز اهـ. وقال القرطبي: الرقى والاسترقاء ما كان منه برقيا الجاهلية أو بما لا يعرف فواجب اجتنابه على سائر المسلمين واجتنابه حاصل من أكثرهم، فلا يكون اجتناب ذلك هو المراد هنا ولا اجتناب الرقى بأسماء الله تعالى، وبالمرويّ عن رسول الله، لأن ذلك التجاء إلى الله تعالى، قال: ويظهر لي - والله أعلم - أن المقصود اجتناب رقى خارج عن القسمين كالرقيا بأسماء الملائكة والأنبياء والصالحين كما يفعله كثير ممن يتعاطى الرقيا، فهذا ليس من قسم المحظور الذي يعم اجتنابه، ولا من قبيل الرقيا التي فيها اللجأ إلى الله تعالى، فهذا القسم المتوسط يلحق بما