بالانتصاب في الأمر والنهوض فيه بالهمة () أي لأجله (مثنى) أي اثنين اثنين ( {وفرادى} ) أي واحداً واحداً ( {ثم تتفكروا} ) أي: في السموات والأرض فتعلموا أن خالقهما واحد، فعلى هذا تم الكلام بقوله «تتفكروا» وقوله: {ما بصاحبكم من جنة}(سبأ: ٤٦) ابتداء كلام، وهذا أحد قولين في الآية للمفسرين. ٦
والثاني: أن المراد التفكر في شأن النبيّ بأن يتفكروا أي يتفكر كل منهم في ذلك ويعرض كل فكرته على صاحبه لينظر فيه نظر متصادقين متناصفين لا يميل به اتباع الهوى، وبأن يتفكر الواحد أيضاً بعدل ونصف هل رأينا في هذا الرجل جنوناً قط أو كذباً، وقد علمتم أن محمداً ما به من جنة، بل علمتموه أرجح قريش عقلاً وأوزنهم حلماً وأحدّهم ذهناً وأجمعهم لما يحمد عليه الرجال، فإذا علمتم ذلك كفاكم أن تطالبوه بآية، فإذا أجابها تبين أنه صادق فيما جاء به (وقال تعالى: {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات} )(آل عمران: ١٩٠) لدلائل واضحة على وجود الصانع ووحدته وكمال علمه وقدرته ( {لأولي الألباب} ) العقول المجلوة عن شوائب الحسّ والوهم، ولعل الاقتصار على هذه الثلاثة في هذه الآية لأن مناط الاستدلال هو التغير، وهذه متعرضة لجملة أنواعه، فإنه إما أن يكون في ذات الشيء كتغير الليل والنهار، أو جزئه كتغير العناصر يتبدل صورها، أو الخارج عنه كتغير الأفلاك بتبدل أوضاعها.
وعن عائشة رضي الله عنها عن النبيّ:«ويل لمن قرأها ولم يفكر فيها» رواه ابن حبان وغيره ( {الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم} ) أي: يذكرون دائماً على الحالات كلها قائمين وقاعدين ومضطجعين، وقيل: معناه، يصلون على الهيئات الثلاث حسب طاقتهم ( {ويتفكرون في خلق السموات والأرض} ) استدلالاً واعتباراً، وهو أفضل العبادات. أخرج ابن حبان عن عليّ قال: قال «لا عبادة كالتفكر» أي: لأنه المخصوص بالقلب والمقصود من الخلق.