قدرته وحسن تدبيره حيث خلقها لحمل الأثقال إلى البلاد النائية، فجعلها عظيمة باركة للحمل ناهضة بالحمل منقادة لمن قادها طوال الأعناق لتبوء بالأوقار، ترعى كل نابت وتحتمل العطش إلى عشر فصاعداً، ليتأتى بها قطع البراري والمفاوز مع ما لها من منافع أخرى، ولذا خصت بالذكر لبيان الآيات المنبثة في الحيوانات التي هي أشرف المركبات وأكبرها صنعاً، ولأنها أعجب ما عند العرب من هذا النوع، وقيل لامراد بها السحاب على الاستعارة ( {وإلى السماء كيف رفعت} ) بلا عمد ( {وإلى الجبال كيف نصبت} ) فهي راسخة لا تميل ( {وإلى الأرض كيف سطحت} ) بسطت حتى صارت مهاداً. والمعنى: أفلا ينظرون إلى أنواع المخلوقات من البسائط والمركبات ليتحققوا كمال قدرة الخالق فلا ينكروا اقتداره على البعث؛ ولذلك عقب به أمر المعاد ورتب عليه الأمر بالتذكير فقال ( {فذكر} )(الغاشية: ١٧ - ٢٠) .
وفي «تفسير ابن عادل» : إن قيل ما المناسبة بين هذه الأشياء؟ فالجواب قال الزمخشري: من فسر الإبل بالسحاب فالمناسبة ظاهرة وذلك تشبيه ومجاز، ومن حملها على الإبل فالمناسبة بينها وبين السماء والأرض والجبال من وجهين:
أحدهما: أن القرآن نزل بلغة العرب وهم أهل أسفار، والمسافر قد يخلو بنفسه لفقد من يصحبه، وشأن الإنسان إذا انفرد الإقبال على التفكر في الأشياء فإذا فكر فأول ما يقع نظره على الجمل الذي هو راكبه، فإذا هو منظر جميل جمع أموراً تدل على كمال قدرته سبحانه وإن نظر إلى ما فوق فإلى السماء، أو إلى تحت فالأرض، أو إلى الجانب فالجبال، فكأنه تعالى أمره بالنظر وقت الخلوة والانفراد حتى لا تحمله داعية الكبر والحسد على ترك النظر.
الثاني: أن جميع المخلوقات دالة على الصانع، إلا أن منها ما هو مشتهى للنفس كحسن الصور واللباس والنزهة فهذه استحسانها قد يمنع من كمال النظر فيها، ومنها ما لا حظّ فيه للشهوة فأمر بالنظر فيها إذ لا مانع من إكمال النظر فيها اهـ.
(وقال تعالى: {أفلم يسيروا في الأرض فينظروا} ) أي: إلى تقلب الأحوال بأبناء الدنيا واضمحلالهم بعد وجودهم