للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التهجد شكراً فكيف أتركه.

قال القرطبي: ظن من سأله عن سبب تحمله المشقة في العبادة أنه إنما يعبد الله خوفاً من الذنب وطلباً للمغفرة والرحمة، فمن تحقق غفران الله تعالى له لا يحتاج لذلك، فأفادهم أن لذلك سبباً آخر هو الشكر على المغفرة وإيصال النعمة لمن لا يستحق عليه منها شيئاً.

والشكر: الاعتراف بالنعمة والقيام بالخدمة، فمن كثر منه سمي شكوراً، ومن ثم قال سبحانه: {وقليل من عبادي الشكور} (سبأ: ١٣) اهـ. ثم الأخذ بهذا الحال من مشاقّ الأعمال إنما يطلب ممن لا يفضي به ذلك إلى الملال كما هو شأنه، فإنه كان لا يملّ من عبادة ربه وإن أضرّ بدنه، وقد جاء عنه «وجعلت قرّة عيني في الصلاة» . أما من يفضي به لذلك فلا، ففي الحديث: «اكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا» (متفق عليه) أي على أصل المعنى لا على خصوص الراوي والمبنى بدليل قوله: (هذا) أي: المذكور عن عائشة بهذا اللفظ (لفظ البخاري ونحوه) أي: بمعناه (في الصحيحين) الذي يعبر عنه بالمتفق عليه (من رواية المغيرةبن شعبة) وكذا رواه من رواية الترمذي والنسائي وابن ماجه كما في «الجامع الصغير» .

٩٩ - (الخامس: عن عائشة) الأخصر عنها (رضي الله عنها) وكأنه عدل إليه لئلا يتوهم أن المغيرة اسم امرأة والضمير لأقرب مذكور (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر) أي: الأخير من رمضان كما يأتي في كلامه، وأوله الحادي والعشرون وآخره آخر رمضان (أحيا الليل) بأنواع الطاعات ومحل النهي عن قيام الليل كله الوارد في حديث عبد ابن عمر فيمن داوم على ذلك جميع ليالي السنة لأنه مضرّ بالبدن والعقل (وأيقظ أهله) للصلاة تنبيهاً لهم على فضل تلك الأوقات واغتنام صالح العمل فيها.

وروى الترمذي من حديث زينب بنت أم سلمة: «لم يكن النبي إذا بقي من رمضان عشرة أيام يدع أحداً من أهل بيته يطيق القيام إلا أقامه» (وجدّ) أي اجتهد في العبادة زيادة على العادة، وذلك لأن فيه ليلة القدر التي هي خير من

<<  <  ج: ص:  >  >>