لن تبلغوا ضري فتضرونيّ، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني) لما قام من الإجماع والبرهان على أنه تعالى منزّه مقدس غنيّ بذاته لا يمكن أن يلحقه ضرّ ولا نفع، فهو تعالى إن أحسن إلى عباده بغاية وجوه الإحسان غير محتاج إلى مكافأتهم بجلب نفع أو دفع ضرّ، ومن ثم قال تعالى:{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}(الذاريات: ٥٦) ونفع عباداتهم إنما يعود عليهم كما قال تعالى: (من عمل صالحاً فلنفسه) ومحبته تعالى لها وفرحة بها لكمال رحمته بهم ورأفته عليهم. وما اقتضاه ظاهر الحديث من أن لضره ونفعه غاية لكن لا يبلغها العباد متروك بما دل عليه الإجماع والبرهان من غناه المطلق، أو أنه من باب على لا حب لا يهتدي بمناره أي: لا
منار له فيتهدي به. والمعنى: لا يتعلق بي ضرّ ولا نفع فتضروني أو تنفعوني، لأنه تعالى غنيّ مطلق والعبد فقير مطلق (يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم) سموا بذلك لظهورهم أو أنهم يؤنسون (وجنكم) سموا به لاجتنانهم أي اختفائهم (كانوا على) تقوى (قلب اتقى رجل واحد منكم) وفي نسخة «على أتقى قلب رجل» وكذا قرينة الآتي، قيل: أراد به هنا محمداً (ما زاد ذلك في ملكي شيئاً) أي: لا يعود نفع ذلك إلى الله بأن يزيد في ملكه، بل نفعه قاصر على فاعله (يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على) فجور (أفجر قلب رجل واحد) أي: على صورته، لما قيل إن المراد إبليس لعنهالله، وفي ترك الخطاب هنا تنبيه على أن الأدب فيه أن لا يضاف المكروه للمخاطب (ما نقص ذلك) العصيان (من) كمال (ملكي شيئاً) ففي ذلك إشارة إلى أن ملكه تعالى على غاية الكمال، لا يزيد بطاعة جميع الخلق وكونهم على أكمل صفات البر والتقوى، ولا ينقص بمعصيتهم، لأنه تعالى الغنيّ المطلق في ذاته وصفاته وأفعاله، الكامل فلا نقص يلحقه بوجه (يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد) أي: أرض واحدة ومقام واحد (فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك)