طاعة العبد لسيده، فتصرّفاته تعالى في العالم عجيبة لمن تدبرها، فيسخر السحاب لبعض الأماكن، ويحرّك قلب فلان لإعطاء فلان، ويحوج فلان لفلان، وفيه تأديب للفقراء كأنه قال: لا تطلبوا
النعمة من غيري فإن من تستطعمونهم أنا الذي أطعمهم فاستطعموني أطعكم (يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم) وفي هذا جميعه أوفي تنبيه وأظهر على افتقار سائر خلقه تعالى إليه وعجزهم عن جلب منافعهم ودفع مضارّهم إلا أن ييسر لهم ما ينفعهم ويدفع عنهم ما يضرّهم، فلا حول ولا قوة إلا با ولا تمسك إلا بسببه، وهذان مثالان لدفع الضرر الدنيوي وجلب النفع في ذلك، واقتصر عليهما لكمال حاجة الإنسان إليهما. (يا عبادي إنكم تخطئون) .
قال المصنف بضم التاء، وروي بفتحها وفتح الطاء، يقال خطىء يخطأ: إذا فعل ما يأثم به فهو خاطىء، ومنه قوله تعالى:{واستغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين}(يوسف: ٩٧) ويقال في الإثم أيضاً أخطأ فهما صحيحان اهـ. والمخاطب بهذا هنا غير معصوم (بالليل والنهار) هو من باب المقابلة لاستحالة وقوع الخطأ من كل منهم ليلاً ونهاراً (وأنا أغفر الذنوب جميعاً) ما عدا الشرك والذي لا يشاء مغفرته، قال تعالى:{إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}(النساء: ٤٨) وفي اعتراض هذه الجملة مع التأكيد فيها بشيئين: أل الاستغراقية، وجميعاً المفيد كل منهما العموم غاية الرجاء للمذنبين حتى لا يقنط منهم أحد من رحمة الله تعالى لعظم ذنبه (فاستغفروني أغفر لكم) أصل الغفر: الستر فغفر الذنب: ستره ومحو أثره وأمن عاقبته، وحكمة التوطئة لما بعد الفاء بما قبلها بيان أن غير المعصوم والمحفوظ لا ينفك غالباً عن المعصية، فحينئذٍ يلزمه أن يجدد لكل ذنب ولو صغيرة توبة وهي المرادة هنا من الاستغفار، إذ ليس فيه مع عدمها كبير فائدة، وشتان بين ما يمحوه بالكلية وهو التوبة النصوح وبين ما يخفف عقوبته أو يؤخرها إلى أجل، وهو مجرد الاستغفار (يا عبادي إنكم