ونصرانه» أي: يحكم له بحكمهما في الدنيا فإذا بلغ مستمراً على الكفر حكم له به فيهما. واختلف أيضاً فيمن مات صغيراً، والأصح أنه في الجنة.
والحاصل أن الإنسان مفطور على قبول الإسلام والتهيؤ له بالقوّة، لكن لا بد أن يتعلمه بالفعل فإنه قبل التعليم جاهل، قال تعالى:{وا أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً}(النحل: ٧٨) فمن هداه سبب له من يعلمه الهدى فصار مهدياً بالفعل بعد أن كان مهدياً بالقوة، ومن خذله والعياذ با قيض له من يعلمه ما يغير فطرته بأمر بتهوّد أو تنصر أو تمجس.
قال المصنف: وفي هذا دليل لمذهب أصحابنا. وسائر أهل السنة أن المهتدي هو من هداه الله وبهدي الله اهتدى وبإرادة الله تعالى ذلك، وأنه سبحانه أراد هداية بعض عباده وهم المهتدون، ولم يرد هداية الآخر ولو أرادها لاهتدى، قال تعالى:{ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا}(يونس: ٩٩)(فاستهدوني) اطلبوا مني الهداية بمعنى الدلالة على طريق الحق والإيصال إليها معتقدين أنها لا تكون إلا من فضلي (أهدكم) أنصب لكم أدلة ذلك الواضحة وأوصل من شئت إيصاله في سابق العلم القديم الأزلي. وحكمة طلبه تعالى منا السؤال للهداية إظهار الافتقار منا والإذعان والإعلام بأنه لو هداه قبل أن يسأله لربما قال: إني أوتيته على علم عندي فيضلّ بذلك، فإذا سأل ربه فقد اعترف على نفسه بالعبودية ولمولاه بالربوبية، وهذا مقام شريف لا يتفطن له إلا الموفقون. وهذا البيان طريق حصول النفع الديني ودفع الضرر من ذلك، وقدمه اهتماماً واحتفالاً بشأنه (يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته) لأن الناس كلهم عبيد لا ملك لهم في الحقيقة، وخزائن الرزق بيده، فمن لم يطعمه بفضله بقي جائعاً بعدله، إذ ليس عليه إطعام أحد، فقوله تعالى:{وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها}(هود: ٦) التزام منه تفضلاً، لا أنه عليه واجب بالأصالة، ولا يمنع نسبة الإطعام إليه ما يشاهد من ترتب الأرزاق على أسبابها الظاهرة من أنواع الكسب لأنه تعالى المقدر لتلك الأسباب الظاهرة بقدرته وحكمته الباطنة، فالجاهل محجوب بالظاهر عن الباطن، والعارف الكامل لا يحجبه ظاهر عن باطن ولا عكسه بل يعطي كل مقام حقه (فاستطعموني) أي: سلوني واطلبوا مني الطعام (أطعمكم) أي: أيسر لكم أسباب تحصيله إذ العالم جماده وحيوانه مطيع تعالى