الظلم تحريماً لمشابهته. الممنوع في تحقق العدم. قيل: قضية هذا الحديث جواز إطلاق لفظ النفس عليه تعالى. قال بعضهم: وهو ظاهر حيث كان من باب المقابلة كما هنا، إذ المعنى: حرمته على نفسي فنفوسكم بالأولى كما أفاده قوله: (وجعلته بينكم محرماً) أما إطلاقه في محل لا مقابلة فيه فلا يظهر جوازه لإبهامه حقيقة النفس وهي محال عليه تعالى. وقيل: يجوز إطلاقه عليه بناء على أنه مأخوذ من النفاسة، ولا يشكل على الأول إطلاق الذات عليه تعالى في قول حبيب رضي الله عنه عند إرادة قتله: وذلك
في ذات الإله، لأن ذات الشيء حقيقته فلا إشعار فيها بحدوث، بخلاف لفظ النفس فإن يشعر بالتنفس والحدوث، فامتنع إطلاقه عليه إلا في مقام المقابلة، إذ هو قرينة ظاهرة على أن المراد به في حقه تعالى غير حقيقته وما يتبادر منه. وأيضاً ففي إطلاقه عليه تعالى من غير مقابلة إبهام شمول قوله تعالى:{كل نفس ذائقة الموت}(
آل عمران: ١٨٥) له، تعالى الله عن ذلك (وجعلته بينكم محرّماً) أي: حكمت بتحريمه عليكم وهذا مجمع عليه في كل ملة لاتفاق سائر الملل على مراعاة حفظ الأنفس فالأنساب فالأعراض فالعقول فالأموال. والظلم قد يقع في هذه أو بعضها، وأعلاه الشرك. قال تعالى:{إن الشرك لظلم عظيم}(لقمان: ١٣) وهو المراد بالظلم في أكثر الآيات، ثم يليه المعاصي على اختلاف أنواعها (فلا تظالموا) بفتح التاء وتخفيف الظاء على الأشهر، وروي بتشديدها ففيه حذف إحدى التاءين وإدغامها في الظاء: أي: لا يظلم بعضكم بعضاً، وهذا توكيد لقوله:( {وجعلته بينكم محرّماً} ) وزيادة في تغليظ تحريمه (يا عبادي) كرّر النداء زيادة في تشريفهم ولذا أضافهم إليه وتنبيهاً على فخامة ما بعده، وجمعه لإفادة الاستغراق (كلكم ضالّ) أي: غافل عن الشرائع قبل إرسال الرسل، أو ضال عن الحق لو ترك ونفسه (إلا من هديته) من الضلال بالتوفيق للإيمان بما جاءت به الرسل على المعنى الأول أو للوصول إلى الحق بالنظر الموصل إلى معرفة الله تعالى وامتثال ما جاء من عنده على المعنى الثاني وعلى كل من المعنيين فلا ينافي حديث «كل مولود يولد على الفطرة» لأن ذلك ضلال ضارىء على الفطرة الأولى كما يرشد إليه حديث «خلق الله الخلق على معرفته فاغتالهم الشيطان» والأصح أن المراد من معنى خبر «كل مولود الخ» : أن كل مولود يخلق متهيئاً للإسلام، فمن كان أبواه أو أحدهما مسلماً استمرّ عليه في أحكام الدارين. وإن كانا كافرين جرى عليه حكمهما فيتبعهما في أحكام الدنيا وهذا معنى