للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كان يحصل له من الخوف في مجلس النبي ويظهر عليه فتح كمال المراقبة والفكر والإقبال على الآخرة، فإذا خرج واشتغل بما سيأتي ذهب عنه ذلك، وأصل النفاق إظهار ما يكتم خلافه من الشرّ (قال) على وجه التعجب مما قلت: (سبحان ا) أي: تنزيهاً (ما تقول) أي: تأمله وانظر فيه وما استفهامية مفعول مقدم لتقول (قلت) أي في بيان سبب قولي نافق حنظلة (نكون عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكرنا بالجنة والنار كأنا) نراهما (رأى عين) كذا قال القرطبي إنه قيده بالنصب، وقال القاضي: ضبطناه بالرفع: أي كانا ذوو رأي عين: أي بحال من يراهما، قال: ويصح النصب على المصدر (فإذا خرجنا من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عافسنا) سيأتي ضبطه ومعناه مارسنا (الأزواج والأولاد والضيعات) جمع ضيعة بالضاد المعجمة: وهو معاش الرجل من مال أو حرفة أو صناعة (فنسينا كثيراً) أي: إذا خرجنا واشتغلنا بهذه الأمور ذهب منا ذلك الحال الذي كان ونحن عند النبي وسماع موعظته ومشاهدته (قال أبو بكر رضي الله عنه: فوا إنا لنلقي مثل هذا) .

قال القرطبي: في هذا رد على من زعم دوام مثل ذلك الحال ولا يعرجون بسببها على أهل ولا مال. ووجه الردّ أن أبا بكر أفضل الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى يوم القيامة، ومع ذلك فلم يدع خروجه عن جبلة البشر، ولا ما هو من خاصة الملك من تعاطى دوام الذكر وعدم الفترة. قال: وعلى الجملة فسنة الله في هذا العالم الإنسان جعل تمكينهم في قلوبهم ومشاهدتهم في مكابدتهم. وسرّ ذلك أن هذا العالم متوسط بين عالمي الملائكة والشياطين، فمكن الملائكة في الخير بحيث يفعلون ما يؤمرون و «يسبحون الليل والنهار لا يفترون» ، ومكن الشياطين في الشر والإغواء بحيث لا يفعلون ما يؤمرون، وجعل هذا العالم الإنساني متلوّناً فيمكنه ويلونه ويغنيه ويبقيه ويشهده ويفقده وإليه أشار صاحب الشفاعة بقوله: «ولكن يا حنظلة ساعة وساعة» وقال في حديث أبي ذرّ «وعلى العاقل أن يكون له ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يفكر فيها في صنع الله إليه، وساعة يخلو فيها لحاجته من مطعم ومشرب» هكذا الكمال وما عداه ترّهات وخيال. والله أعلم (فانطلقت أنا وأبو بكر) سائرين (حتى دخلنا على رسول الله؛ فقلت: نافق حنظلة يا رسولالله، فقال: وما ذاك؟) أي: الذي نافق به. (قلت: يا رسول الله إنا نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة فكأنا

<<  <  ج: ص:  >  >>