للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رأي عين) أي فيحصل لنا من ذلك كمال الخوف والمراقبة والتفكر في المآل والإقبال على الآخرة (فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيراً) أي فيذهب عنا غالب تلك الأحوال السنية، فخشي حنظلة أن يكون اختلاف هذا الحال من النفاق؛ فأعلمه النبي أنه ليس مكلفاً بالدوام على الحال الذي يكون عليه عنده، وأن ذلك الاختلاف ليس نفاقاً (فقال رسول الله: والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عليه عندي) من المراقبة والتفكير في المآل والإقبال على الله تعالى (وفي الذكر) .

قال القرطبي: هكذا صحت الرواية بالواو العاطفة للظرف الثاني على الظرف الأول، فيفيد أن مصاحفة الملائكة المذكورة في قوله: (لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم) موقوفة على حصول حالتين لنا على حال مشاهدة الجنة والنار مع ذكر الله تعالى ودوام ذلك، فيعنيـ والله أعلم - أن التمكن إنما هو أن يشاهد الأمور كلها با، فإذا شاهد الجنة مثلاً لم يحجبه ما شاهد من نعيمها وحسنها عن رؤية الله تعالى؛ بل لا يلتفت إليها من حيث هي جنة، بل من حيث إنها هي محل القرب من الله تعالى ومحل رؤيته ومشاهدته، فيكون فرقه في جمعه وعطاؤه في منعه، ومن كان هكذا ناسب الملائكة في معرفتها فبادرت إلى إكرامه ومشافهته وإعظامه ومصافحته. والمسئول من الكريم المتعال أن يمنحنا من صفاء هذه الأحوال (ولكن يا حنظلة ساعة) أي لأداء العبودية (وساعة) للقيام بما يحتاجه الإنسان قاله (ثلاث مرات) وكرره للتأكيد ودفع ما وقع في نفسه أن ذلك من النفاق (رواه مسلم) .

قال البخاري في كتاب «الإخبار بفوائد الأخبار» : حال العبد هو مقامه في سرّه وشهوده بقلبه وصفته ومعناه، وما كان ذلك فإنها تكون لازمة له لا ينتقل عنها في حال ولا يزول عنها بمعنى، وأما كونهم عند النبي على ما كانوا عليه فإن تلك مواجيد، والمواجيد تجيء وتذهب، لأنها عوارض تثبت في الأسرار من خارج.

قال بعض العارفين الكبار: الوجد مقرون بالزوال والمعرفة ثابتة لا تزول، قال: فالحال الذي يجدونه في أسرارهم، عند كونهم عنده خلاف المعهود، ثم يزول عنهم إذا رجعوا من عنده فكأن الذي يجدونه

<<  <  ج: ص:  >  >>