من دين ودنيا، فالشرع كله أمانة والظاهر عرض الأمانة أي الأوامر والنواهي ( {على السموات والأرض والجبال} ) فتثاب إن أحسنت وتعاقب إن أساءت ( {فأبين أن يحملنها وأشفقن منها} ) وذلك بإدراك خلقه الله تعالى فيها وهو غير مستحيل، إذ قد سبح الحصى في كفه، وحنّ إليه الجذع، وكلمته الذراع، فيكون العرض والإباء والإشفاق على هذا حقيقة. قال ابن عباس: أعطيت الجمادات فهما وتمييزاً فخيرت في الحمل وذكر الجبال مع أنها من الأرض لزيادة قوتها وصلابتها تعظيماً للأمر، وقيل: المراد الإشارة إلى كمال عظمها وأنها بحيث لو عرضت على هذه الأجرام العظام وكانت ذات شعور وإدراك لأبين أن يحملنها وأشفقن منها (وحملها الإنسان) مع ضعف بنيته ورخاوة قوته، لا جرم فإن لاراعي لها والقائم بحقوقها بخير الدارين (إنه كان ظلوما) وصفه به لكونه تاركاً أداء الأمانة (جهولاً) بكنه عاقبتها. وفي الآية وجوه أخر ذكر بعضها القاضي البيضاوي.
١٩٩١ - (وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: آية) بالمد. واختلف في وزنها على ستة أقوال تقدم في شرح خطبة الكتاب أنه ذكرها ابن الصائغ في «شرح البردة» : أي: علامة (المنافق) أي: علامة نفاقه الدالّ على قبح نيته وفساد طويته (ثلاث) أي: خصال، وأفرد الآية على إرادة الجنس، أو أن العلامة إنما تحصل باجتماع الثلاث، ويؤيد الأول أنه جاء في «صحيح أبو عوانة»«علامات المنافق ثلاث» . فإن قيل: ظاهر الحديث الحصر في الثلاث، وقد جاء في الحديث الآخر «أربع من كنّ فيه كان منافقاً خالصاً» .
فالجواب ما قاله القرطبي: لعله تجدد له من العلم بخصالهم ما لم يكن عنده. وقال الحافظ العسقلاني: لا منافاة بين الخبرين لأنه لا يلزم من عدّ الخصلة كونها علامة، على أن في رواية لمسلم في حديث أبي هريرة ما يدل على عدم الحصر، فإن لفظه: من علامة المنافق ثلاث، فيكون أخبر ببعضها في وقت وببعضها في وقت آخر (إذا حدث كذب) الجملة خبر بعد خبر أو بدل مما قبله بدل مفصل من مجمل بتقدير سبق العطف على الإبدال وهذه الخصلة أقبح الثلاث