للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وإذا وعد) يخير (أخلف) أي: لم يف وبوعده. ووجه المغايرة بين هذه وما قبلها أن الإخلاف قد يكون بالفعل وهو غير الكذب الذي هو وصف القول، ثم محله فيمن عزم على الخلف حال الوعد، أما لو عزم على الوفاء حال الوعد ثم شنعته الأقدار من ذلك فلا يكون فيه آية النفاق نقله السيوطي وغيره، ولا يلزم مما ذكر وجوب الوفاء بالوعد، لأن ذم الإخلاف إنما هو من حيث تضمنه الكذب المذموم لأنه عزم على الإخلاف في حال الوعد على أن علامة النفاق لا يلزم تحريمها، إذ المكروه لكونه يجر إلى الحرام يصح أن يكون علامة على الحرام، ونظيره أشراط الساعة فإن منها ما ليس بمحرم (وإذا أؤتمن خان) وخص هذه الخصال بالذكر لاشتمالها على المخالفة التي عليها مبني النفاق من مخالفة السرّ العلن. والكذب الإخبار على خلاف الواقع، وحق الأمانة أن تؤدي إلى أهلها والخيانة مخالفة لها، والإخلاف في الوعد ظاهر ولذا صرح بأخلف (متفق عليه) روياه في كتاب الإيمان ورواه الترمذي والنسائي.

(وفي رواية) هي لمسلم فقط (وإن صام وصلى) أي: وإن عمل عمل المؤمنين من الصوم والصلاة وغيرهما من العبادات، وهذا الشرط اعتراض بين الآيات المجملة ومفسرها المفصل وارد للمبالغة لا يستدعي الجواب، وتسمى إن فيه وصلية والواو الداخلة عليها قيل حالية، وعليه جرى السعد التفتازاني في المطول، وقيل: عاطفة. وفي رواية «وإن صلى وصام وحج واعتمر وقال إني مسلم» (وزعم أنه مسلم) أي: كامل الإسلام. قال القرطبي: ظاهر الحديث أن من كانت فيه عدة الخصال الثلاث صار في النفاق الذي هو الكفر الذي قال فيه مالك: النفاق على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الزندقة عندنا اليوم، وليس الأمر على مقتضى هذا الظاهر لما قررناه أول كتاب الإيمان: أي: من أن المعاصي لا تخرج الإنسان عن الإيمان. ولما استحال حمل هذا الحديث على ظاهره على مذهب أهل السنة اختلف العلماء فيه على أقوال: فقيل المراد من النفاق نفاق العمل: أي صفاتهم الفعلية. ووجه ذلك أن من فيه هذه الصفات كان ساتراً لها ومظهراً لنقائضها صدق عليه اسم منافق. أو قيل الحديث محمول على من غلبت عليه هذه الخصال واتخذها عادة ولم يبال بها تهاوناً واستخفافاً بأمرها، فإن من كان هكذا كان فاسد الاعتقاد غالباً فيكون منافقاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>