إذا عزم على معاونة أخيه فينبغي له أن لا يجبن عن إنفاذ قوله وصدعه بالحق وتأمل دوام هذه الإعانة فإنه لم يقيدها بحالة خاصة بل أخبر أنها دائمة بدوام كون العبد في عون أخيه. وعن الحسن رضي الله عنه «أنه أمر ثابتاً البنانيّ بالمشي في حاجة فقال: أنا معتكف، فقال له: يا أعمش أما تعلم أن مشيك في حاجة أخيك المسلم خير لك من حجة بعد حجة» .
وروى الإمام أحمد:«أن خباب بن الأرتّ خرج في سرية فكان يحلب عنزاً لعياله فتمتلىء الجفنة حتى يفيض زيادة على حلابها فلما قدم وحلب عاد إلى ما كان» وكان أبو بكر يحلب للحيّ أغنامهم فلما استخلف قيل: الآن لا تحلبها قال: بلى وإن لأرجو أن لا يغيرني ما دخلت فيه عن شيء كنت أفعله. وكان عمر يتعاهد الأرامل فيستقي لهم الماء في الليل، ورآه ظلحة داخلاً ليلاً بيت امرأة فدخل لها نهاراً، فإذا هي عجوز عمياء مقعدة، فقال: ما يصنع هذا الرجل عندك؟ قالت: منذ كذا وكذا يتعاهدني بما يقوم بي من البرّ وما يصلح لي شأني ويخرج عني الأذى ويقمّ لي بيتي، فقال طلحة لنفسه: ثكلتك أمك يا طلحة أعثرات عمر تتبع؟ (ومن سلك طريقاً) فعيلاً من الطرق لأن الأرجل ونحوها تطرقه وتطلبه وتسعى فيه، ويصح أن يراد بها ما يشمل المعنوية كحفظه ومذاكرته ومطالعته وتفهمه وكل ما يتوصل به إليه (يلتمس) يطلب (فيه) أي في غايته أو سببه واحتمال كونه فيه حقيقة نادر جداً لا يحمل عليه الحديث (علماً) شرعياً أو آلة قاصداً بذلك وجهالله. قيل وهذا وإن اشترط في كل عبادة لكن عادة العلماء تقييد هذه المسألة به لأن بعض الناس قد يتساهل فيه أو يغفل عنه اهـ. قال في «الفتح المبين» : وكأنه يريد أن تطرق الرياء للعلم أكثر من تطرقه لسائر العبادات، فاحتيج للتنبيه فيه على الإخلاص اعتناء بشأنه، والعلم الشرعي ما صدر عن الشرع أو توقف عليه العلم الصادر عن الشرع توقف وجود كعلم الكلام أو توقف كمال كعلم العربية (سهل الله له به) أي بسلوكه الطريق المذكورة (طريقاً إلى الجنة) أي يرشده إلى طلب الهداية والطاعة الموصلة إلى الجنة، وليس ذلك إلا بتسهيله تعالى، وإلا فبدون لطفه لا ينفع علم ولا غيره: أو بأنه يجازيه على طلبه وتحصيله بتسهيل دخول الجنة بأن لا يرى من مشاقّ الموقف ما يراه غيره، وهذا أقرب لظاهر الحديث واستفيد منه مع ما قبله ومن قوله تعالى:{جزاء وفاقاً} أن الجزاء يكون من جنس